مجرد أصفار

TT

تفنى الشعوب في صمت. يأتي الديكتاتور ويسحقها وأقصى ما يعطيها العالم من تعويض، هو إجراء محاكمة دولية له، بكامل أناقته وكامل فصاحته. وقف سلوبودان ميلوشيفتش أمام المحاكمة بعدما دمر يوغوسلافيا وحوَّلها إلى مقبرة جماعية.

بكل بساطة طبع لشعبه ورقة العشرة ملايين دينار التي كانت تشتري رغيفا من الخبز. الآن ألغى حاكم البنك المركزي في زيمبابوي ورقة التريليون دولار وحذف أصفارها بعدما أصبحت لا تشتري أكثر من نصف رغيف.

منذ هتلر، يلجأ الديكتاتور إلى حل مأساوي عبثي غير معقول. يفرغ الخزينة من كل قرش وتصير كلفة الطباعة أعلى من قيمة النقد. حتى التريليون دولار زيمبابوي في بلاد روبرت موغابي والأشلاء الذين خلفهم ميلوشيفتش وتشارلز تايلور وشاعر صربيا الرقيق رادوفان كاراديتش الذي كان يعالج النساء بالتدليك فيما كل جيوش أوروبا تبحث عنه ولا تراه.

أي كلام من أجل أهل زيمبابوي هو تدخل في شؤونها الداخلية. أو هو كلام استعماري في حق مناضل قومي كبير لم يعرف كيف يفصل بين مخدعه وبين وطنه. كل شيء ملك له. يركب سيارة رولز رويس وزوجته تشتري فساتينها في هونغ كونغ بالدولار الأميركي ومواطنوه يشترون نصف رغيف من الخبز بتريليون دولار محلي. ولا حاجة إلى الاستدراك إطلاقا بأن نصف الشعب لا يملك ثمن نصف رغيف.

احتفل نيلسون مانديلا قبل أسابيع ببلوغه التسعين، أميرا على أفريقيا. الرجل الذي ترك الحكم في آخر يوم من الولاية. هو، الأفريقي الذي ختم نهاية حكم الرجل الأبيض في أفريقيا. هو الذي أمضى نصف عمره في السجن. في اليوم الأخير خرج لكي لا يترك خلفه مثالا سيئا. هو النموذج في النضال وفي الاستقلال. والرجل الذي كان رفيقه في الحركة الوطنية ذات يوم، يضع صفرا هنا ويلغي صفرا هناك ويزرع الألم في كل البلاد.