غزة كلمة جديدة

TT

لاحظت لدى حضوري مؤتمر «لندن التقدمية» الذي عقد في لندن قبل ايام ان بعض المتحدثين اصبحوا يستعملون كلمة غزة كإصطلاح للدلالة على اي موقف مشين او خطير او دموي او تخريبي لا مسؤول. سمعت احدهم يشير الى ما وصل اليه الوضع المالي في بريطانيا فيقول اننا نواجه «غزة». وقال آخر ان رئيس الحكومة ينوي فرض «غزة» على البنوك. هذه من محاسن اللغة الانجليزية في اشتقاق كلمة جديدة من اي حدث يلفت النظر. تسمع التلميذ يقول غدا علي ان اخوض «واترلو»، اشارة الى الامتحان النهائي الحاسم. ويصف رجل ما فعلته به زوجته فيقول زجتني في ستالينغراد. والآن عندهم كلمة جديدة هي «غزة». وهذه من تأثيرات اسرائيل على اللغة الانجليزية.

نحن غير ميالين للاشتقاق في لغتنا. اتذكر ان الدكتور مصطفى جواد اعترض على اصطلاح «وصلت السفينة شاطئ السلامة»، بأنه استعمال غير عربي. قال ان العرب يركبون الجمال وليس السفن. وانا اعتبر كليهما خطأ. اذا شئنا التطور ومواكبة العصر، فيجب ان نقول وصلت المرسيدس كراج الغانية الهنغارية، للدلالة على سلامة الوصول.

بعيدا عن الغانيات والمرسيدسات، اعتقد ان من المعقول إضافة كلمة "غزة" الى لغتنا العربية كاسم مصدر للدلالة على اي عمل تخريبي او همجي لا انساني. بدلا من ان تقول مذبحة حلبجة التي فعلها صدام حسين في كردستان تقول «غزة حلبجة»، وهكذا. وتشير الى الفساد المستشري في العراق فتقول «غزة النهب» في العراق. وتروي ما فعله ابو جاسم بزوجته التي لم تحسن طبخ الباميا فتذكر انه فعل بها غزة يشمئز منها الانسان.

ومن الممكن طبعا، بل والمفيد في رأيي، اشتقاق شتى المفردات من صفات وافعال، ماض ومضارع وامر او اسم فاعل ومفعول به من مصدر «غزة». فمثلا، بدلا من ان تقول ان الحكومة نكلت بالمتظاهرين تقول انها غزغزت بالمتظاهرين، وهذه حسب اللهجة الحميرية او غززت بالمتظاهرين حسب اللهجة الحضرمية. وتشير الى انهيار الاقتصاد والتضخم النقدي فتضرب يدا بيد وتقول يا حسرتي على فلوسي. الدينار راح كله وتغزغز. ويرد عليك صاحبك ليطيب خاطرك فيقول لك لا تغز يا ابن عمي. هذه غزة صغيرة، يومين وتمر.

ومن المعقول تطوير صيغ الدعاء المعتادة بإغنائها بمثل هذه المصطلحات الجديدة. فعندما تذهب لحفلة عرس مثلا تدعو للعروسين وذويهما فتقول اتمنى لكم الخير والمال والبنين وابعدكم الله من كل غزة. وإذا كان المجلس، مجلس عزاء فتقرأ سورة الفاتحة وتقول للمفجوعين، ادعو الله ان يخفف عنكم غزتكم ولا يريكم سواها.

وتمر الايام والاعوام والقرون الطوال ويجلس فقهاء اللغة واساتذة الجامعات يدرسون الطلبة فيقولون: «أما غزتوة فكلمة اصلها غزة اشتقها اجدادنا قبل قرون في عصر الجاهلية الثاني من كارثة ألمت بهم عندما هجم قوم برابرة على مدنهم وعاثوا بها خرابا وذبحوا اولادهم ونساءهم».

www.kishtainiat.blogspot.com