النفط.. نعمة أم نقمة؟

TT

هناك أغنية أمريكية قديمة تتحدث عن نوع من الجنون هو «جنون النفط» وما يحدثه من ثراء مفاجئ أو فقر مباغت يجعل حياة الناس تنقلب رأسا على عقب، وتقول كلمات الأغنية:

«زيت الكبد والقندس والحلو

كلها كالبلسم للمريض، تجعله يقف على قدميه.

ومع ذلك ثمة زيت غريب عجيب يخرج من بئر،

ويجعل الناس مجانين،

ها كم الجار سميث، معدم فقير، لا يقدر على دفع «دايم»،

كانت ثيابه شهيرة برقعها الكثيرة، لكنه في الوقت المناسب ابتسم له حظه.

فصار الآن يتغندر بشكله الأنيق وبالماس

والأولاد والعصا،

وهو في نجاحه مدين للزيت».

والحقيقة أن النفط أو «زيت الصخرة» الذي جنن الأمريكان بداية من العقد السادس من القرن التاسع عشر، حينما فكروا لأول مرة في استخدام حافرات استخراج الملح من باطن الأرض لاستخراج الزيت بكميات أكبر من أعماق تلك القرية الصغيرة الفقيرة «تيتو سفيل» بولاية بنسلفانيا، وكيف أصيب الناس آنذاك بحمى هذاالجنون وهم يتوافدون على تلك القرية من كل الولايات بحثا عن الثراء وتبديل الحال. وجنون النفط لم يقتصر على الأمريكان فهو الجنون الأكثر شيوعا في هذا العالم، والذي كان لنا حصة - لا بأس بها - منه، فلقد بدل هذا النفط حياتنا من مجتمع بسيط يكد سكانه بحثا عن لقمة الحياة في الصحاري والواحات والسواحل من صباح العالمين حتى ليل المتعبين إلى مجتمع نام في العسل سنوات قبل أن توقظه هزات الأسعار، وبيادر محاولات البحث الجاد عن بدائل.

وفي كتاب «الجائزة.. ملحمة البحث عن النفط والمال والسلطة من بابل إلى بوش» لمؤلفه دانييل يرغن رئيس مؤسسة أبحاث الطاقة في جامعة كامبريدج، الذي ترجمه إلى العربيه حسام الدين خضور، وصدر عن دار التكوين للنشر والتوزيع بدمشق يمكن للقارئ أن يطلع على الكثير من مظاهر «جنون النفط» التي تقاسمتها أجزاء كثيرة من عالمنا، وكيف أن النفط ليس نعمة مطلقة، فهو في عدد من الحالات يمكن أن يتحول إلى نقمة، فهو يجلب لمناطق ظهوره الأطماع والحروب ولربما الجنون أيضا، حتى أن بعض لعنة النفط هذه قد أصابت عددا من الذين اشتغلوا به من الرعيل المؤسس بالفقر والحاجة إلى درجة الاستجداء، فإدوين ل. دريك الرجل الذي حفر أول بئر لاستخراج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية مات فقيرا معدما براتب تقاعدي ضئيل، وقد اضطر أن يكتب إلى صديق يستجديه قائلا: «إذا ما كان في صدرك شيء من حليب العطف الإنساني فأرسل لي ولعائلتي بعض المال إنني بحاجة ماسة إليه».

فاللهم اجعل هذا النفط الذي في أرضنا نعمة لنا ولا تجعله نقمة علينا.

[email protected]