العريس النذل

TT

أحدث دراسة عن آثار الطلاق على الجنسين صدرت مؤخرا ونشرت نتائجها في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية. والدراسات كثيرة وخصوصا تلك المتعلقة بالعلاقة بين الجنسين. ولكن ما يميز هذه الدراسة عن سابقاتها هي أنها تتعلق بآثار الطلاق لا من منطلق الخلافات بين الجنسين وإنما الاختلافات بين الأمومة والأبوة. ففي الغالبية العظمى من قضايا الطلاق تصر الأم على الاحتفاظ بحضانة الأطفال استنادا إلى احتياج الطفل إلى رعايتها، وفي الحالات التي تحتفظ فيها الأم بحق الحضانة يسمح لها بالاحتفاظ بمسكن الزوجية أيضا. في الدراسة الجديدة تبين ان التصاق الام بأولادها أمر غريزي مهما اختلفت الثقافات، أي أن الأنثى مبرمجة جينيا على حب الولد وإيثاره، على غير ما تدفع اليه جينات الذكر. كما انه امر لا علاقة له بالماديات لأنه غالبا ما يعود على المطلقة بالمشقة الاقتصادية اذا تفرغت لتربية الأولاد. وفي غياب انس الزوجية قد تشعر المطلقة بوحدة قاسية وحرمان عاطفي وجنسي كبيرين.

وجاءت تلك الدراسة لإعادة النظر في المفاهيم السائدة اجتماعيا في مجتمعات الغرب من ان الطلاق يثري المرأة على حساب الرجل خاصة ان القانون يبيح للزوجة ان تقتسم مع الزوج المطلق ثروته ويفرض عليه ان يستمر في الإنفاق حتى بعد ان يخلي بيت الزوجية لصالح الأم الحاضنة. ويقتصر حقه في التواصل مع أولاده على زيارة أسبوعية تحددها السلطات القانونية. وينسى هؤلاء ان الام الحاضنة تحرم من فرصة العمل والكسب ويؤدي وضعها إلى تقليص فرصة الاستقرار في زواج جديد بينما تظل فرصة الزواج الثاني كبيرة نسبيا في حياة الرجل المطلق. جاءت نتائج الدراسة بأرقام جديدة وإحصائيات مفادها أن 27% من المطلقات ينزلقن إلى بؤر الفقر والاحتياج بعد الطلاق، وهي نسبة تعادل ثلاثة أضعاف نسبة الرجال الذين يواجهون المصير نفسه. الإحصائيات والأرقام قد تصيب وقد تخيب لأنها تعتمد علي الشرائح التي يجري عليها البحث وأرقام المشاركين. ولكن قصة إنسانية واحدة تكفي لوصف الواقع المعيش. اصطدمت بهذا الواقع حين استشارتني جارة انجليزية بخصوص ابنها الذي تزوج وهو طالب بفتاة أحبها وكان كلاهما في التاسعة عشرة من العمر. تزوجا وتخرجت الزوجة كمعلمة وتخرج زوجها طبيبا. ثم جاء الأولاد توأم في البداية ثم طفل ثالث بعد عامين. واضطرت المعلمة ان تتنازل عن الوظيفة لصالح أطفالها. في المستشفي الذي يعمل به الطبيب التقى بزميلة طبيبة وفعل التجاور والزمالة فعلهما وفي غياب الإحساس بالمسؤولية وفداحة ما يمكن ان يحل بالأسرة ترك الطبيب زوجته وأطفاله الثلاثة وقرر الانفصال لكي يتزوج بالطبيبة الزميلة. كان يمكن للزوجة الغاضبة المصدومة ان ترفض الطلاق في المحكمة ولكن ان فعلت تركها الزوج علي أي حال ليعيش مع الحبيبة الجديدة في مجتمع يبيح له ان يفعل. وزاد على ذلك ان يمتنع عن الإنفاق. فتضطر ان تبحث عن وظيفة وتترك رعاية أولادها لمربية غريبة. ولذلك فعلت ما يريد الزوج المارق لكي تحتفظ ببيت تربي فيه أولادها وبضعة جنيهات تصلها في أول الشهر. أي غربة عاشتها تلك المرأة؟ وأي إحساس بالضعف والهزيمة؟ وهل تكفي كنوز الأرض لشفاء جرح القلب؟

استشارتني أم المارق فقلت لها تذكري أن الزوجة المطلقة ظلمت ولذلك هي أحق بالبر والرعاية. وأمسكت عن وصف العريس بالنذالة.