عبد القدير خان بين الاتهام والحقيقة

TT

لخمس سنوات حبس عبد القدير خان، الذي يعتبر أبو القنبلة الذرية الباكستانية، في بيته بتهمة التورط في اتصالات محرمة لبيع معلومات نووية لدول أجنبية بينها إيران. وتورط علماء الذرة في السياسة والعلاقات المحرمة كان دائما جزءا من تاريخ تطوير القنبلة النووية، منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.

لكن المشكلة التي واجهت خصوم خان أن الاتهام خدمه حيث سلط الضوء عليه، وكشف للمواطن الباكستاني عن بطل قومي. بينت الاتهامات أنه وراء مشروع القنبلة النووية، وأنه نفذ أول تجربة نووية في عام 1998. ومن الطبيعي ألا تثير القنبلة النووية احتجاجا في بلد يستورد كل سلاحه من الخارج، ويعتمد على المعونات لدفع ثمنه أيضا. ومنذ الاتهامات وحتى بعد اعترافه على التلفزيون بأنه تاجر بالنشاط النووي ظل بطلا قوميا، حيث يراه المواطن العادي بطل المواجهة العسكرية مع العدو الهندي.

الاتهامات نفسها في حق خان تبدو ضعيفة، على الرغم من اعترافه على التلفزيون الذي تراجع عنه لاحقا وقال إنه أرغم عليه. فاتهامه غير مقنع لأنه كان موظفا في مؤسسة باكستانية هي التي تدير رجالها ومشاريعها، ويستبعد تماما أن رحلاته واتصالاته تمت بدون علم تلك المؤسسة أو قياداتها. وكان واضحا أن استهدافه بالتهم والملاحقة أسهل من توجيه الاتهام إلى كل المؤسسة العلمية العسكرية الباكستانية التي ما كانت سترضى السلطات في إسلام أباد إدانتها. ومن جانب آخر تبدو غير منطقية الاتهامات التي تقول إنه ساعد الإيرانيين على بداية مشروعهم النووي. نستبعد تورط باكستان لأن إيران تصنف في خانة المنافس الإقليمي الذي قد يرقى إلى مستوى العداء كالهند. فباكستان محسوبة دائما على المحور الخليجي العربي في لعبة التوازنات وتعتبر طرفا فاعلا وإن كان صامتا في النزاع مع إيران. أما إيران فقد اعتمدت كثيرا في الحصول على العلوم والخبرة والمواد من دول مثل كوريا الشمالية، وكذلك روسيا التي تعترف بأنها طرف ممول في الجانب المدني فقط. وقد يكون صحيحا أن خان ساهم في الاتصالات الأولية لبناء سلاح نووي لليبيا الذي توقف قبل أن يبدأ ضمن المصالحة الشاملة في صفقة لوكربي.

وحتى لو كانت الاتهامات ضد خان صحيحة، وأنه باع واشترى في السوق النووية، يظل بطلا في باكستان لأنه حقق لبلاده توازن الرعب الضروري مع الدولة العدوة الهند. فقد جاءت قدرة باكستان على تطوير قنبلتها النووية مفاجأة لا للباكستانيين بل أيضا للهنود الذين ظنوا خطأ أن الجارة الأكثر تخلفا في العلوم والاقتصاد لن تستطيع اللحاق بهم، وكانوا يطمعون في كسب سباق التسلح الذي دام أربعة عقود.

ولابد من القول إن نجاح الهند وباكستان نوويا رافقه فشل سياسي في العلاقات. فالهدف من التوازن النووي ليس كسب الحرب عسكريا، لأنه في حال الحرب النووية بين قوتين متعادلتين لا يوجد منتصر بل دمار ماحق مشترك. الذي قد يحققه التوازن النووي إيجابيا، على اعتبار أنه يمثل قمة الخطر، هو العودة للدبلوماسية ومحاولة حل القضايا العالقة سلميا، وهو أمر لم يحدث بعد.

[email protected]