فخامة الرئيس.. باراك أوباما

TT

فخامة الرئيس: باراك أوباما.. لقد كان يوم تنصيبكم رئيساً للولايات المتحدة الأميركية يوماً مشهوداً، لم ينتصر فيه حزب على حزب، كما يظنه البعض، بل كان انتصاراً تاريخياً للحرية والمساواة في بلادكم، بعد صراع سلمي طويل خاضه شعبكم. ولقد اتسم خطابكم يوم التنصيب بالتغيير كما وعدتم، ولم تنقصه الجرأة، إذ تحدثتم فيه عن الإسلام، ومددْتم فيه يدكم إلى العالم الإسلامي، وهذا ما لم يحدث من رئيس أميركي قبلكم.

لقد كان ترشيحكم لهذا المنصب، وما تبعه من مراحل انتهت بكم إلى البيت الأبيض.. همّاً للعالم أجمع، قبل أن يكون همّاً أميركيا. لأن العالم ذاق ألواناً من الظلم والتسلط المغلف بغلاف بهيّ فضفاض من الحرية وحقوق الإنسان. وأرغمت بعض شعوب الأرض على ديمقراطية مؤدلجة، لا ترى للشعوب حرية غير حرية تتوافق مع رؤيتها. حاولت من خلالها أن تجرد العالم من تعدديته الإيجابية، لينتظم في سلكها، ولتحرمه من الحقوق الإلهية التي منحه الله إياها، والتي أكدها آباؤكم المؤسسون كالإكسندر هملتون (Alexander Hamlton) والذي قال في عام 1775م: «لا يبحث عن الحقوق المقدسة للجنس الإنساني في المخطوطات والوثائق البالية، فهي كأشعة الشمس، خَطّتها الإرادة الإلهية، ويستحيل على يد البشر أن تمحوها أو تخفيها». ومن البدهي أن يقال يا فخامة الرئيس: إن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان ونحو ذلك من الحقوق المقدسة والقيم الحضارية، ليست حكراً على طائفة دون أخرى، أو على شعب دون شعب. بل قد جاءت بها الكتب السماوية لجميع الأديان، كرامة للإنسان، فالرب سبحانه يقول في كتابه العزيز: «ولقد كرمنا بني آدم».

فخامة الرئيس.. هذه الأرض التي أحدثكم منها (المملكة العربية السعودية) ليست أرضاً للبترول فقط، بل هي أيضاً أرض مقدسة عند المسلمين، وقبلة يقصدونها بصلواتهم. شعّ منها الهدى والتسامح، والذي جاء فيه: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». وإننا لفخورون بديننا وتراثنا، كما أنتم فخورون بدينكم وتراثكم. ولا أظن أننا أو أنكم تقبلون من فئة قليلة منا أو منكم أن تختطف ذلك التراث، وتشوهه، وتخوض بنا وبكم في لجة بحر من العداوات متلاطم. وإذا كانت هذه حالنا وحالكم فإننا لابد أن ننبذ كل تطرف، صراحة وعلانية، سواء كان محسوباً علينا نحن المسلمين، أو كان محسوباً عليكم، أو تابعاً لأحدنا، أو يستمد وجوده من أحدنا.

فخامة الرئيس.. إن سياستنا التي نلزم بها أنفسنا هي حفظ المواثيق والعهود التي أبرمناها، واحترام التحالفات التي انضوينا إليها. فهذه رسالة ديننا، وهي ما علمنا إياها آباؤنا المؤسسون لدولتنا (المملكة العربية السعودية)، إذ يقول الملك عبد العزيز (رحمه الله) في إحدى كلماته: «إن للدول الأجنبية المحترمة علينا حقوقاً، ولنا عليها حقوقاً. لهم علينا أن نفي لهم بجميع ما يكون بيننا وبينهم من العهود.. «إن العهد كان مسؤولا». أما الشعوب التي تكابد لحل قيود البؤس والفاقة، فلقد كنا وما زلنا نمد لها أيدينا، ونساعدها على تخطي ظروفها، أياً كانت ديانتها أو لونها أو عرقها. ولا ندخل في تنافس مع غيرنا، ولا ننتظر على ما نقوم به جزاءً أو شكوراً، بل نفعل ذلك بمحض إيمان نابع من قيمنا الدينية الحضارية.

فخامة الرئيس.. رسالتنا تحتم علينا أن لا نقول إلا حسناً ولا نفعل إلا حسناً، كما هي سياستنا الثابتة والمعلنة، فنحن نمد يدنا دائماً لنصافح من أراد مصافحتنا، ونتعاون مع كل من يريد الاستقرار ويسعى في سبيل الإصلاح والازدهار. إلا أننا في الوقت ذاته لن نكون فريسة للقوى الشريرة المناهضة للسلام والرافضة للتعايش المشترك.

فخامة الرئيس.. إن اليد البشرية القادرة على محو مظاهر التخلف والفقر في العالم، بما تملكه من ثروات وقيم.. قد تمحو أيضاً كل مظاهر الحياة، إذا ما انغمست في أيديولوجية عمياء، تتحكم في أسلحة دمار شامل. فشعوب منطقتنا تحلم بأن تكون منطقتهم خالية من أسلحة الدمار الشامل، وخالية من أسباب العنف والعنف المضاد. وإننا لنأمل - فخامة الرئيس - أن يتحقق ذلك في عهد فخامتكم، ونخشى في الوقت نفسه أن تتحرك قوى الكراهية الموجودة في كل أمة وملة فتغتال الأمل في نفوسنا ونفوسكم، وتشحن المستقبل بالعنف الذي ينتظر أطفالنا وأطفالكم.

إن أمامنا غابة موحشة من الشك والخوف، نحتاج إلى من يقتلع أشجارها الضخمة ويسوي أرضها. لنستطيع السير عليها نحو الأمن والسلام والعدل والاستقرار. وإنني على يقين بأن هذا الأمل المنشود ليس بالأمر الهين، وأنه قد لا ينجَز خلال فترة واحدة أو فترتين من رئاستكم، لكن علينا أن نشرع فيه، وأن نبدأ العمل سوياً في سبيل تحقيقه، لنرسم معكم ومع جيراننا مستقبل منطقتنا، بل مستقبل العالم أجمع، وفق رؤية جديدة نجعل شعارها هو شعاركم (yes we can)، (نعم نستطيع)، يكون فيها القوي عادلا، والضعيف آمناً، ويتحقق فيها السلام... يا فخامة الرئيس!.

[email protected]