إغلاق وتقوقع!

TT

التوتر الناتج جراء الانهيار المالي الكبير بدأ يسفر عن تطورات لم تكن بالحسبان أبدا. لهجات حادة بدأت تغلف الخطاب السياسي للكثير من دول العالم وأولها أمريكا، ومغزاها الواضح «أنا وبعدي الطوفان»، هناك بند أساسي مذكور في خطة الإنقاذ المالية التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الكونغرس، وهو أن تكون الأولوية الأساسية للبضاعة الأمريكية وهذا اتجاه صادم تماما لكل من كان «يطبل ويزمر» لسياسات العولمة والحدود المفتوحة وحرية تحرك البضاعة والأفراد والأموال والخدمات وعودة حادة للوراء لسياسات الحمايات الوطنية، التي تمهد لحرب تجارية شعواء.

ولعل أول الأصوات المحذرة لهذا الاتجاه المقلق الجديد أتى من قبل المستشارة الألمانية ميركيل، التي حذرت الرئيس الأمريكي من خطورة هذا الاتجاه وما سيسببه من أزمات اقتصادية في العالم ستطال حتما الأسواق الأمريكية وبقوة شديدة جدا.

هناك حالات رعب وذعر في أسواق مختلفة حول العالم معظمها يتفق على ضرورة «حماية» المصانع والمؤسسات الوطنية «أولا» وهو شعار نبيل وجميل ولكن في تفاصيل كيفية تنفيذه تكمن مواقع آلاف الشياطين!.

هناك توقعات جادة وجديرة بالاحترام تقول إن الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية المختلفة مهددة بالتجميد والإيقاف نظرا لانعدام القدرة على تنفيذ بنودها في ظل هذه الأجواء المضطربة، التي تفرض قيودا سياسية واجتماعية على القرار الاقتصادي المستقل. 20 مليون عاطل عن العمل في الصين وحدها، حوالي 600 ألف مفصول عن العمل الشهر الماضي فقط بالولايات المتحدة الأمريكية، معدلات البطالة بلغت مستويات غير مسبوقة في بريطانيا، مظاهرات عنيفة في اليونان وفنزويلا بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية لقطاعي الزراعة والنفط، في اليابان «تويوتا» تعلن عن أول خسارة تشغيلية في تاريخها منذ 70 عاما، وما كان يعتقد أنه حالة عابرة سيفوق منها العالم بعد فترة قصيرة حال انقضاء فترة بوش المظلمة يتضح الآن أن المسألة قد تطول لفترة السنوات الثلاث القادمة.

هناك قناعات كبيرة جدا أن الإدارة السابقة أخفت العديد من الحقائق المذهلة عن الأزمة الاقتصادية الحالية، وتحديدا وضع المصارف والمؤسسات المالية ومدى حجم الإخفاق المالي، والقروض المشكوك في تحصيلها، يضاف لذلك أن عدد القروض السكنية التي لن يتمكن من سدادها بالملايين وليس بمئات الآلاف كما كان مقدرا، وبالتالي تختار الحكومة الآن الخيار الأسهل والأضمن وهو الاكتفاء بالاعتماد على الشركات الوطنية وحماية الاقتصاد الوطني.

والسؤال غير المعروف إجابته للآن هل ما نشاهده اليوم هو مسامير أخيرة في نعوش العولمة، وأن الاقتصاد يشهد إعادة هندسة لنفسه ولمؤسساته، أم أنها مرحلة عابرة وليس إلا، ثلاثة أسابيع تمر والرئيس الأمريكي غير قادر على إقناع الكونغرس لتمرير خطة الإنقاذ المالي نظرا لكبر المبالغ المطلوبة، واختلاف الآراء في بعض التفاصيل ولكن الأخطر هو انعدام الرؤية للآن على «حجم» المشكلة الحقيقي. الحرب التجارية الكبرى قادمة، انتظروها.

[email protected]