صوملة حماس

TT

خالد مشعل رئيسا للسلطة الفلسطينية، وأحمد قريع رئيسا للوزراء، وصائب عريقات وزيرا للخارجية، وإسماعيل هنية وزيرا للداخلية. هكذا نفترض أن يكون المشهد السياسي الفلسطيني لو أننا استنسخنا نتائج الانتخابات الصومالية الأخيرة، التي نالت تعميدا سياسيا ومباركة أميركية لنسقطها على الواقع الفلسطيني بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفلسطينية المقبلة.

ومع إدراكي لاختلافات جوهرية وخاصة «الجيو سياسية» بين الساحتين الفلسطينية والصومالية، فإن هناك مشتركات تحتاج إلى تأمل. الرئيس الصومالي المنتخب شيخ شريف شيخ أحمد يترأس حركة سياسية (المحاكم الإسلامية)، ولها ذراع عسكري، وكذلك خالد مشعل رئيس حركة حماس.. «كانت» المحاكم الإسلامية التي «كان» يترأسها الرئيس الصومالي الجديد في نظر العين الأميركية حركة إرهابية، وكذلك حركة حماس.. أميركا كانت تقمع المحاكم الإسلامية «الإرهابية» بمخالب إثيوبية، وأميركا قمعت حركة حماس «الإرهابية» بمخالب إسرائيلية حادة.. اكتسحت أميركا المحاكم الإسلامية في مقديشو، وباركت أميركا هجوم إسرائيل الدموي الرهيب على حماس في غزة، فانهارت الأولى وصمدت الثانية بسبب اختلافات قوية في البنية الفكرية داخل الحركتين، فالمحاكم تآلف إسلامي لكنه غير متجانس، وحماس بنية متناغمة في الفكر وإن تنوعت قياداتها بين الصقور والحمائم ودرجة الطموح السياسي.

شيخ شريف كان لاجئا في إريتريا، الدولة المناوئة لإثيوبيا البلد المعتدي، و«شيخ» خالد مشعل لا يزال لاجئا في سورية، الدولة «الممانعة» لإسرائيل الدولة المعتدية.. لا إريتريا تتفق آيديولوجيا مع المحاكم، ولا سورية تنسجم مع الخط الحركي لحماس.. رئيس السلطة الصومالية السابق المعين من أميركا بعد سحق المحاكم الإسلامية، حاله حال رئيس السلطة الفلسطينية المبارك من أميركا بعد تدمير إسرائيل لغزة، كلاهما حظي بدعم سياسي أميركي كبير، لكنه بين الصوماليين وعلى الساحة الفلسطينية الشعبية لا يغني ولا يسمن من جوع.

فالرئيس الصومالي المنهار نفد بجلده بعد أن فكت أميركا عنه أجهزة التنفس الإثيوبية، لاجئا إلى اليمن، ولو سحبت أميركا عن بعض قيادات رام الله الفلسطينية أكسجين الدعم السياسي والمالي لنفدوا بجلدهم إلى أميركا.

كان دحلان يوصف برجل غزة القوي، فلم نر قوة بعد أن انسدت عنه شرايين الدعم الخارجي. والحق يقال، إن حماس لم تهزم دحلان وإنما هزمه امتداده الشعبي الهزيل بين الفلسطينين، فلم يكن له بينهم ولي ولا نصير، ومع أن ضربة إسرائيل لحماس في غزة لا تقارن في الضراوة والتدمير باقتحام حماس لمكاتب دحلان في القطاع، إلا أن حماس صمدت أمام القوة العسكرية الإسرائيلية الرهيبة، ليس لأن حماس قوية عسكريا، ولكن لأن شرايين الدعم الشعبي لأي حركة تحرر لا تستطيع، ولا حتى جيوش الدول الكبرى، تمزيقها ولو اجتمعت وتآلفت وتحالفت.

لهذا عرفت أميركا متأخرة جدا بأن ليس لها خيار في الصومال إلا بالتعامل مع شريحة من الإسلاميين، بقيادة «الإرهابي القديم» شيخ شريف شيخ أحمد، الذي صار في لمحة البصر الأميركيةِ الشخصيةَ السياسية المعتدلة، فقط لأنها أدركت بعد خراب مقديشو أن استمرار الاحتلال الإثيوبي تحت ضربات القوات الإسلامية في الصومال مستحيل، وأدركت أن الذين تنزلهم أميركا على قصر الرئاسة الصومالية برافعة أميركية وغذاية إثيوبية لا يمكن أن يقال لهم إنهم حكام، لأنهم لا يحكمون إلا الحي الذي تحرسه القوات الإثيوبية المدججة بالسلاح، ولهذا فرّت من القوات الإسلامية المتحالفة فراره من الأسد الإفريقي.

فهل الذي ألجأ «أميركا أوباما» للتعامل مع «إرهابيي» الماضي من الصوماليين، سيُلجِئها مضطرة إلى التعامل مع «إرهابيي» اليوم من الفلسطينيين، الذين يملكون شيكات مصدقة مصروفة في البنوك الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية، فتدمجهم بقوة مع قيادات فلسطينية أخرى، لا تملك إلا شيكات سياحية تصرف فقط في البنوك الأميركية؟

[email protected]