حزب الله أكبر المتنصتين

TT

مضحكٌ السجالُ الدائر في لبنان حول مَن يتنصت على مَن، وهل التنصت «شرعي أم غير شرعي»، والأكثر إثارة للضحك هو أن جلسة لجنة الإعلام والاتصالات البرلمانية التي عُقدت للبحث في ملف التنصت كانت جلسة سرية!.

ولم ينته الضحك بعد، فرئيس لجنة الإعلام والاتصالات البرلمانية هو نائب عن كتلة «الوفاء للمقاومة» أي حزب الله! ومن التجربة فإنه عند الاتصال بسياسي لبناني، وسؤاله عن الأوضاع، أو مجرد ذكر اسم حسن نصر الله، فحينها يكون الرد: «نحكي لما نلتقي بلندن»!.

الغريب في حديث التنصت أن لبنان بلد لا يُحفَظ فيه سر أساساً، فكل شيء هناك على عينك يا تاجر، إلا أن التنصت قد شُرعن أساساً بلبنان منذ التواجد السوري، وعرف أنواعاً يمكن أن تؤلَّف عنها روايات.

أما قول حزب الله بأنه من أوائل من طالبوا بمكافحة التنصت «غير الشرعي» فهذا يعني أن حزب الله يقصد بالتنصت الشرعي ما يقوم به الحزب نفسه باسم المقاومة، وليس الدولة، وهنا مربط الفرس.

فعندما تغيب الدولة يغيب كل شيء، وبسبب غياب الدولة بات لبنان بلداً «معلّقاً من عراقيبه»، حيث أصبح للمقاومة إعلامها، وجيشها، وعلمها يرفرف فوق علم الدولة الأم، وبالطبع فإن للمقاومة أجهزة تنصتها الخاصة.

حزب الله استخدم السلاح عندما أقيل مدير أمن المطار، وكلنا يعرف ما معنى أن تملك الأمن في أي مطار، فكيف يحاول إظهار نفسه على أنه منصف في قضية التنصت؟، خصوصاً أن المطار ميناء لبحر من الممنوعات، التي من ضمنها أجهزة التنصت.

وما يتناساه البعض أن لدى حزب الله شبكة اتصالاته الخاصة، وسبق للحزب أن اعتبرها خطاً أحمر، ورفض المساس بها، ناهيك عن الكاميرات التي اكتُشفت، والتي لم تُكتشف بطبيعة الحال.

ما لم يتنبه له اللبنانيون هو أنه في غياب الدولة يغيب كل شيء، وتتحول أهم السلطات التنفيذية إلى مجرد لوحة لوزارات لا قيمة لها، وتبقى العملية السياسية مجرد مناكفات ونقاش بيزنطي، حيث إن الغلبة تصبح للسلاح.

مررنا في صحيفتنا بتجربة قانونية، كان كل ما نحتاجه فيها ورقة واحدة من وزارة سيادية في لبنان، يومها تحدثت إلى شخصية لبنانية كبيرة عن المعلومات التي نحتاجها، هاتف المسؤول الوزير المعني أمامي. فكان الرد بأنه سيحاول، إذا كان الملف ما زال موجوداً!

من جهتنا لم نوقف جهودنا فلجأنا إلى موظفين صغار بتلك الوزارة فقط لنتأكد ما إذا كان الملف لا يزال موجوداً، وجاء الرد بأن الملف اختفى تماماً، ولا أحد يريد التحدث عنه، وبالطبع كانت الاتصالات تتم بالرموز. بل إن الفترة التي كانت تستحق أسبوعاً تأخذ شهراً لأن عليك انتظار المرسول حتى يسافر ويلتقيك خارج لبنان، فلا أحد يرغب في التحدث على الهاتف، في أي قضية يعتبرها حساسة. كل ذلك كان من أجل البحث عن معلومة، بالطبع ليس لها علاقة بأين يسكن حسن نصر الله، مثلا!

ولذا فإن المسألة أكبر مِن «مَن يتنصت على مَن»، القضية برمّتها في لبنان هي غياب الدولة. وطالما أن الدولة غائبة فإن حزب الله، وغيره، سيسرحون ويمرحون.

[email protected]