جار المباحث

TT

تستدعي كلمة المباحث في الذاكرة العربية الكثير من الصور المرعبة، والمخيفة، والمفزعة، حتى إن كلمة مباحث في بعض الأماكن تصيب قائلها بالحشرجة، وقد تختنق الكلمة في منتصف المسافة بين اللسان والحنجرة، ناهيك عن ما تحدثه في أذن سامعها من صمم. وأحمد الله أن هذه الكلمة في مجتمعنا ليس لها مثل هذا المدلول، حيث يستشعر الكثيرون هنا أن المباحث جهاز أمني ضروري، يسهم كغيره من الأجهزة الأمنية في المحافظة على أمن المجتمع وسلامته، حتى إنني كتبت ذات يوم حينما انتهت خدمة أحد مديريه العموميين ـ الفريق صالح خسيفان ـ مشيدا بأخلاقياته في رسم صورة إنسانية جميلة مغايرة للصورة النمطية الشائعة لمديري هذه الأجهزة في بعض الدول العربية، التي نقرأ عنها في الجرائد، والكتب، والروايات، ومؤكدا أنني لم أقف قط على باب هذا الجهاز متهما ولا متعاونا، ولا أعرف عن تلك الشخصية إلا من خلال ما يعبر عنه الكثيرون داخل المجتمع، وكلي ثقة بأن الخلف امتداد لذلك السلف.

تلك مقدمة ضرورية للولوج إلى بعض دلالات خبر نشرته صحيفة «الوطن» السعودية، عدد الأحد الماضي، بعنوان: «حكم قضائي بنقل مبنى المباحث احتراما لخصوصية مواطن»، ويشير الخبر إلى الحكم القضائي الذي حصل عليه مواطن في إحدى المحافظات، ويقضي بترحيل إدارة المباحث من مقرها، نتيجة لشكوى المواطن بأن نوافذ مقر المباحث تطل على فناء منزله، وغرفة نومه؛ فكان له ما أراد، وقد صادقت هيئة التمييز على الحكم الشرعي بترحيل إدارة المباحث في تلك المحافظة من مقرها.

فمن دلالات هذا الخبر أن مواطنا لم يتردد في رفع قضية ضد هذا الجهاز الأمني، مطالبا بترحيله من جواره، ومثل هذا لا يمكن أن يحدث في الدول التي تنحرف فيها المباحث عن دورها المفترض، وتستغرقها الكثير من الممارسات الظالمة، بحيث تصبح شكواها ضربا من الحمق، والتهور، والمغامرة. وإقدام المواطن هنا على رفع هذه القضية ضد إدارة المباحث في تلك المحافظة يصب في مصلحة تعزيز الصورة الموضوعية والإيجابية لهذا الجهاز في بلادنا. ومن دلالات الخبر أيضا إبراز سلطة القضاء الذي ارتأى أن وجود إدارة المباحث في ذلك المقر الذي تطل نوافذه على بيت المواطن يسبب ضررا عليه؛ فأصدر حكمه احتراماً لخصوصية ذلك المواطن.

وأخيرا: إن احتفاء الصحافة السعودية بمثل هذه الأخبار أخاله ضروريا، ويسهم في رسم صورة إيجابية لواقع حالنا، الذي ينبغي أن نعتز به.

[email protected]