ثلاثون عاما من الثورة المضطربة

TT

تحتفل طهران بذكرى اعتلاء الحركة الدينية الحكم في عام 79، وهي ذكرى تستحق التقييم الشامل. تاريخيا للثورات سلوك متكرر، شهدنا عليه في الروسية، والصينية، وكذلك سلسلة الثورات الأصغر حجما وعمرا. الثورة ماتت ذاتيا في الاتحاد السوفييتي، وتلاشت تدريجيا في الصين، وارتدت في فيتنام، وشاخت في كوبا حيث نقل كاسترو الحكم إلى أخيه، والثورة الآن تعيش وحيدة يتيمة في كوريا الشمالية التي نقل الحكم فيها أيضا إلى الابن. فأي مآل ستنتهي إليه الثورة الإيرانية؟

ثلاثون عاما تقريبا هي نصف عمر الثورة البلشفية، والماوية، اللتين شغلتا العالم بمشروع واحد تغيير العالم كله، إلا أن تلك الحركتين الأمميتين سقطتا من الداخل، رغم وهج الانتصارات الخارجية والترسانات العسكرية الرهيبة. إيران، بمقاييس تلك الإمبراطوريتين، قلعة صغيرة محاصرة بولاءات صغيرة في العراق ولبنان وفلسطين.

يبشر منظرو الثورة الإيرانية بأن فجر الثورة قريب، مذكرين بأن الخمينية عند أهلها أعمق من الماوية والماركسية لكنها دعوى يصعب المراهنة عليها. فالماوية، وكذلك الماركسية، لم تبخل على أهلها بالتعليم الآيدولوجي حد الإرهاب الفكري من الطفولة إلى الشيخوخة، ورواية البجعات البرية الصينية تجعل الصورة أكثر وضوحا عن تلك الحقبة والعقيدة المتشددة.

الذي أسقط معاقل دول الثورات العظيمة في القرن الماضي، رغم أنها تسلحت بترسانات نووية وخرجت من الغلاف الجوي الأرضي، هم أبناؤها لا أعداؤها. سقطت من الداخل لسبب واحد بسيط أنها كانت غير صالحة للحياة الطويلة، نظامها ضد الطبيعة البشرية. والثورة الإيرانية تسير الطريق نفسه. فهي وإن كانت تحظى بتقدير المؤمنين بها، ويلتف حولها في بعض مناطق العالم المتحمسون لها، وتحقق انتصارات ضد خصومها في المنطقة، بما فيها اقتراب انتصار مشروعها النووي، رغم هذا كله مشكلة إيران ستكون داخلية حيث تعاني من نفس التحدي الذي مر به الثوار الأمميون.

لماذا ترفض القيادة في طهران التعايش مع العالم، وتهمل الإصلاح والتطوير الداخلي؟ سؤال طالما ورد على ألسنة المهتمين. الإجابة الوحيدة التي تفسر ما يحدث نجدها في سلوك كل الثوار السابقين، كلهم كانوا يعتقدون أن الوقت في صفهم مهما طال الزمن. لهذا استمرت إيران تتحمل وتعض على أصابعها إيمانا منها بأن الثورة قادرة على الخروج والانتشار والانتصار. هاهي ثلاثون عاما مرت على أول مقولة لزعيم الثورة آية الله الخميني بتصدير الثورة ومع هذا لم يرحل الثوار بعيدا، إذا ما استثنينا لبنان وغزة فقط. وفي مثل هذا العمر كانت الثورة السوفييتية قد استولت على نصف العالم.

لا أريد أن اصدر القرار مدعيا بأن الثورة الإيرانية محكوم عليها بالفشل المحتوم، والنهاية نفسها التي دفنت بها الثورات الكبيرة، بل يكفي أن ننظر إلى الواقع اليوم بعد ثلاثين عاما من الثورة الصاخبة. إيران في مفترق طرق مع اقتراب موعد اختيار قيادة سياسية جديدة في يونيو المقبل، واقتراب موعد الحسم النووي إيرانيا وعالميا.

[email protected]