إصلاح البرلمان الكويتي

TT

«لا تفاوض ولا تراجع ولا بحث عن مخارج»، هذه ليست مقولة عن حماس في مفاوضاتها مع اسرائيل، بل لغة «حدس» التي تريد استجواب رئيس الوزراء الكويتي. ولأن «حدس» منظمة مجهولة الاسم فقد اضطررت الى كتابتها بين هلالين، لكن ربما ليس طويلا لأن الحركة الدستورية الاسلامية تنوي ان تقاتل بالمؤتمرات والبيانات الصحافية، معترضة على تحجيم دورها في مجلس الأمة الكويتي، ومعترضة على الحكومة برمتها. ولا تبدو مصادفة ان الحركة تسمت بـ«حدس»، ربما تباركا بحماس كون الاثنتين تنتميان الى تنظيم الاخوان المسلمين.

ورغم احتقان المناخ السياسي في الكويت مرة عاشرة، بسبب المواجهة البرلمانية بين المعارضة والحكومة، فإن الخطوة التي اقدم عليها «الحدسيون» تستحق الثناء، فقد حان الوقت لأن تحسم القيادة الكويتية أمرها في معالجة الوضع البرلمان المتآكل، بسبب كثرة الاشتباكات وحل المجالس.

خطوة تستحق الثناء لأنه يتعين على الحكومة إما ان تقبل بقواعد اللعبة وترضى بالاستجواب الكامل، بما في ذلك شخص رئيس الوزراء، أو على المجتمع الكويتي ان يعتاد على حل الحكومة كل ستة أشهر، وممارسة لعبة الانتخابات كل عام، بدل اربع سنوات التي هي المدة القانونية للمجلس. والاستجواب غالبا سيؤدي الى واحدة من اثنتين، حجب الثقة من قبل النواب الغاضبين وبالتالي اسقاط الحكومة، او غضب النظام السياسي وحل الحكومة أو مجلس الأمة. وهذا سيدفع رأس النظام الى تعديله، وأي اتجاه سيختاره سيكون مغضوبا عليه، سواء ان سلم الرئاسة لآخرين او حتى المعارضة او عدل الدستور، وبالتالي عدل نظام البرلمان، وسيبقى الغضب أيضا لو لم يفعل شيئا. وبالتالي الأمر المريح ان التغيير، أي تغيير يتم تبنيه، سيكون مثل عدم التغيير، فالاعتراض حالة قائمة.

لقد أثبتت المعارضة انها أكثر رغبة في التغيير لسببين، الأول حماسها لاحراج الحكومة وتحدي النظام السياسي بتكرار المعارك الاستجوابية وبالتالي خلق فوضى نظامية، والثاني مواقفها السياسية المعارضة بحدة. وسيدفع تكثيف معارضتها الى مواجهات سياسية ربما تلد قرارات صعبة، تتلكأ القيادة في اتخاذها منذ سنوات. أبرزها طرح مشروع تعديل النظام البرلماني لأنه بصيغته الحالية يسمح بالفوضى والمعارك وتعطيل المصالح العامة، الذي سيتطلب بدوره تعديلات دستوية ومعارك مع القوى السياسية الممثلة في المجلس. والاحتمال الآخر رفع «الحصانة» عن كرسي رئيس الوزراء، حل سهل لكنه مؤقت لأن الاشتباكات ستستمر. وبعدها سيكون المطلب منح المعارضة حق ادارة الحكومة.

والسؤال من أين للمعارضة ذاتها الثقة بأن الامور ستسير في صالحها حتى تكرر عمليات الاستجواب، لتدفع باتجاه حل الحكومة او حتى حل البرلمان؟ لماذا تخاطر المعارضة بخسارة مزاج الناس الذين ملوا من الخلافات البرلمانية وتعطيل المشاريع؟ هل لأنها تعتقد ان الدولة سترضى بتطوير النظام لصالحها، او انها تريد مواجهة لاحراج الحكومة في كل مرة. وقد يكون الاصلاح عنوانا جيدا للفوضى النظامية الحالية لكن العديد من القضايا غير برلمانية وخطيرة، كما حدث في قضية المرجع الديني الايراني الذي شكل جدلا بين قادة الطائفتين تحت قبة البرلمان. فالعبث البرلماني صار يهدد النسيج الاجتماعي.

ومهما كانت نوايا المعارضة فان التوجه نحو تحسين النظام البرلماني الكويتي صار مطلبا حتى لا يتحول مجلس الأمة الى مجلس لتعطيل مصالح الأمة.

[email protected]