أنت تنتقد.. أنت عميل

TT

«الإسناد الإعلامي» للقضية الفلسطينية.

إنه واحد من تلك العبارات الطنانة التي راجت مؤخرا في إطار السجالات التي لم تتراجع حيال الأداء الإعلامي، والمواقف من بعض الكتاب العرب إزاء الحرب الاسرائيلية على غزة، تحديدا أولئك الذين انتقدوا حركة «حماس» ومثيلاتها من التنظيمات الأيديولوجية المغالية، التي كرست مفاهيم جديدة للنصر لا تقيم وزنا لعشرات ومئات الضحايا الذين قضوا في مذابح مثل هذه الانتصارات.

ولأن عبارة من نوع «الإسناد الإعلامي» هي مرادف لتعبيرات عسكرية من نوع «الإسناد الحربي»، فهي بالتالي تقتضي أن يكون الجهد الصحافي والكتابي ممنهج على نحو لا يقل نظامية، بل ربما يطلب من ذلك الإعلام «قتالا افتراضيا» لا يقل شراسة عن رصاص السلاح والصواريخ، وهو يلغي حتما وظائف يفترض أن يلعبها الإعلام من محاسبة ومراقبة ونقد.

عدا عن اصطفاء لوائح بأسماء كتاب وصحافيين عبر مواقع الإنترنت تهمتهم أنهم انتقدوا حركة حماس لما يرونه استدراج إسرائيل لتلك الحرب الشرسة التي مورست على فلسطينيي غزة واعتبار هؤلاء الكتاب بمثابة «عملاء» و «جبناء»، مثيرين جدلا طويلا لم تطو صفحته بعد، وهناك من خرج يدعو إلى توحيد المواقف الإعلامية العربية تحت شعار دعم القضية الفلسطينية.

خلاصة تلك الدعوات هو تكريس منع انتقاد حركات «المقاومة» سواء أكانت «حماس» أم «حزب الله» وغيرها من تنظيمات وأنظمة «ممانعة» على نحو التسمية الرائجة هذه الأيام.

لا خلاف على العنوان، «دعم القضية الفلسطينية». ولكن، من قال إن دعمها يعني ترويج تلك الثقافة القاصرة، على اعتبار أن النصر على إسرائيل هو أن إسرائيل لم تقض على «المقاومة»، ولا اعتبار للدمار ولأعداد الضحايا الذين سريعا ما يتم تبرير موتهم بأنه في سبيل القضية.

نعم انتصرت حماس، وانهزم أهالي غزة، وماتت الآمال بدولة فلسطينية، وعلينا القبول بهذا التفسير لمعنى النصر في مواجهة إسرائيل.

القبول بهذا «الإسناد الإعلامي» يعني منح صك براءة لأنظمة من مسؤولياتها حيال مجتمعاتها، بحجة الصراع مع إسرائيل. فمثل تلك الدعوات إلى كبح الانتقادات يكمن خطرها في أنها كرست أوضاعا مزرية لمعظم المجتمعات العربية. بحجة الصراع مع إسرائيل ألغيت مجتمعات وقسرت حيويتها، وقتل طموحها في التغيير بحجة الصراع وأولوياته. الصراع مع إسرائيل يحتاج إلى حس نقدي ليصبح موضوعا قابلا للتطور، وهو إذا تحول إلى كتاب جامع يصبح مثل الأنظمة التي أبّدت الصراع مع إسرائيل وجعلته بمثابة القدر الوحيد والحصري لشعوبها. وإسرائيل نفسها لم تكن لتحقق «انتصاراتها» العسكرية لولا حيوية أخرى تحرك مجتمعها. فالجيش الإسرائيلي استفاد من تقرير «فينوغراد» بشأن حرب لبنان عام 2006 ووظفه في حربه على غزة.

في لبنان يسعى «حزب الله» لأن يتكيف مع وجود بيئة نقدية مسلطة عليه، لا شك أنها ساهمت في لجم جنوحه وإن بشكل محدود. وهذه الرقابة النقدية، وإن لم تكن لديها نتائج مباشرة، إلا أنها فرضت على «حزب الله» حذرا إزاء أمور معينة.

التضامن الإعلامي مع القضية الفلسطينية يعني التضامن ضد جرّ الفلسطينيين إلى أن يكونوا ضحايا مزيد من المذابح، وعكس ذلك هو مشاركة حقيقية في كل جريمة إسرائيلية قد تحلّ بالفلسطينيين.

diana@ asharqalawsat.com