مِئَوِيَّتا رجل طيب

TT

هناك تاريخيون تُحفر أسماؤهم في ذاكرتنا طوعا. البعض في خانة الإعجاب، والبعض في خانة (العياذ بالله). وقد نختلف أحيانا، قليلا أو كثيرا.. فالمسألة الجماعية تصبح غالبا اجتهادا، أو ميلا، فرديا. وأنا أعرف أناسا يحبون هولاكو، وهتلر، وموسوليني، وأفلام الرعب، ويعلقون على جدران مكاتبهم أو مخادعهم صورة فانسنت برايس، الذي اشتهر ببطولة أفلام دراكولا.

أبراهام لنكولن اسم أحبته شعوب العالم، ساعة تحب أميركا، وساعة تكرهها، لا فرق. وتحتفل الولايات المتحدة بمائتي عام على مولده هذا الأسبوع، وكأنها تحتفل بيتيم لا تملك سواه عندما تطرح السؤال الوجداني: «لماذا لا يحبوننا؟». لقد كان لنكولن شهيد الحرية والمساواة. قتله مجنون - أو مؤسسة مجانين - كما قُتل غاندي من بعده، وكما قُتل مارتن لوثر كنغ من بعدهما، لكن وجود باراك أوباما في البيت الأبيض، يُعِدّ ابنتيه للذهاب إلى المدرسة، ولا يصل إلى المكتب قبل التاسعة، هو حياة لأبراهام لنكولن، وتاج لمارتن لوثر كنغ.

نسمي بعض الرجال تاريخيين، لأنهم يصمدون في وجه كل موجات الغبار والنسيان. عرض لنكولن على جنرال إيطالي يدعى غاريبالدي أن يعمل معه قائدا للقوات الاتحادية؛ فاعتذر. وانصرف بذلك إلى توحيد إيطاليا. وكما لا يُذكر اسم أميركا من دون لنكولن، لا يُذكر اسم إيطاليا من دون غاريبالدي. لولاه، لكانت لا تزال دوقيات متقاتلة تتخاطفها إسبانيا وفرنسا، وتحلم ألمانيا بالعودة إليها.

تحتفظ ذاكرتنا بأسماء ذوي الأعمال الحسنة. نتذكر الطبيب ألبرت شفايتزر، لأنه ذهب إلى الأدغال يحارب المرض مع فقرائها وعراتها. ونتذكر فلمنغ لأنه اخترع البنسلين؛ ولم يعد الإنسان يموت بالالتهاب. ونتذكر ديزني، لأنه حوّل «كليلة ودمنة» إلى كرتون ملوّن ضاحك يعلم الأطفال، دون مشقة، ودون عقاب. ونتذكر غاندي، لأنه هزم أساطيل الإمبراطورية وهو يقف بقامة عطباء ويخطب بصوت ركيك. نتذكر الذين تركوا لنا إرث العدالة والمساواة والحرية.. حرية البشر، وحرية الأوطان، وحرية الإنسان. والذين بشروا بالعبودية، سقطوا من تلقاء أنفسهم. أراد لينين للطبقة الكادحة أن تستعبد الطبقات الأخرى، وليس أن تحرّر نفسها. أما ستالين، فقد غنّوا له: «أبونا وسيدنا.. فليحيا الزعيم العبقري وسيد عمال العالم أجمع».

ولما اطمأنوا إلى وفاته، خرجوا عليه وعلى ذكراه وعلى أناشيده. باحترام، سوف نظل نتذكر أبراهام لنكولن، ولو حلَّ بالعالم خَلَف له يُدعى جورج بوش.