أنفس الناس!

TT

ما معنى الراحة، أو الارتياح.. أو «الحمد لله على كده»؟.

هو شعورك كأنك تجلس على مقعد ريش النعام أو الحرير.. أو حين تضع يدك على بطنك وكأنها بلا معدة.. وتضع يدك على رأسك كأنه لا ينبض.. فكل شيء أملس ناعم .. لا بروز، ولا نتوء، ولا نفخة.. كل شيء في مكانه ساكت نائم.. والدنيا في عينيك وفى أذنيك كأنها ليست هناك.. وإذا تراجعت في مقعدك؛ استسلم لك المقعد، واستسلمت أنت أيضا.. وإذا تمددت على الفراش، تحول الفراش إلى أحضان ناعمة هادئة حانية.. ويجيء النوم رهن إشارتك.. وتنظر إلى الناس «كلهم صادقون».. ولا تتلفت حولك، فلست خائفا من أحد.. فلا أحد يخيف.. فالناس قد قلموا أظافرهم وابتلعوا أنيابهم.. وفجأة تظهر حروف تتعانق وتقف صفا واحدا أمامك.. كأنها تحييك.. ويسعدها ذلك.. إنها حروف: السلام.. السلام مع الناس، ومع نفسك، ومع المساء..

وكأنك مفتش عام، فقد رضيت عن النظام، وعن العلاقات بين الأشياء وبين الناس.. فدنياك هادئة، والدنيا كلها مسالمة.. ولا قلق على أحد، أو من أحد.. ومادام قد اختفى القلق، فهذا هو الذي اسمه الراحة، أو الارتياح، أو الأمان..

كم دقيقة في اليوم يمر بك هذا الشعور؟.. وكم دقيقة تستطيع أن تتحايل على هذا الشعور ليبقى أطول؟.. كم دقيقة تتمنى ذلك؟.. كم واحدا من الناس تحاول أن يكون هذا شعورك معهم؟.. كم رجلا؟.. كم امرأة؟.. كم صديقا؟.. كم منهم يصدقك؟.. كم منهم يكذب عليك؟.. كم منهم قادر على أن يهبك بنكاً؟.. كم منهم نجح؟. كم مرة ندمت على أنك استسلمت لأكذوبة جميلة؟.

إن أكثر الناس يفضلون أن تكذب عليهم، ولا تقول الحق.. كم مريضا يتمنى أن يقول له الطبيب ـ كاذبا – «أنت زي الفل، بل الفل هو اللي زيك»؟.. والطبيب لا يقول الحق.. والمريض لا يريده أن يقول.. ويرضيك ويريحك أن تطلب الكذب وأن تجده.. وأكثر الناس قدرة على الكذب وأكثرهم تجربة هم الذين نحتاج إليهم .. ما اسم هذه الحالة: الراحة؟.. ولكن ما معناها؟.. ما حقيقتها؟، وما مدى صدقها؟. إذا كنت تريدها، فلا تسأل عن المعنى والمصدر!.. فلا أتعس من الذين يعرفون.. ولا أتعس من الذين يريدون أن يعرفوا أكثر!!.