التطرف اليهودي

TT

ليس سرا ولن يكون مفاجئا فوز حزب الليكود الإسرائيلي بمنصب رئيس الحكومة، فإسرائيل من الواضح أنها تتجه نحو اليمين المتطرف وبقوة، وذلك لعدة أسباب. هناك قناعة بأن حزب كاديما، والذي أسسه رئيس الوزراء الإسرائيلي الدموي الأسبق آرييل شارون، وانضم معه إيهود أولمرت وتسيبي ليفني، هو حزب ضعيف وليس لديه الإرث الشعبي الكافي، ولا القيادة المؤثرة في إحداث التغيير المطلوب. وكذلك قناعة أن حزب العمل بقيادة إيهود باراك ليس هو حزب العمل الذي كان يتزعمه إسحق رابين صاحب القاعدة الشعبية، الذي اغتيل على يدي متطرف يهودي أصولي. وهناك حديث موسع في أروقة السياسة الإسرائيلية أن التغيير الذي حصل في الإدارة الأميركية برحيل جورج بوش وعصابة المحافظين الجدد، التي كانت تقود سياساته بالشرق الأوسط، قد يولد «ضغوطا» جديدة على الكيان اليهودي لقبول حلول لم تكن واردة من قبل، حلول تتعلق بقبول شروط جديدة للانتقال إلى الجوانب التطبيقية لعملية السلام، والتي تتطلب تنازلات مهمة ومؤلمة. والإسرائيليون لديهم قناعة أن حزب الليكود هو الأكثر التزاما بمفهوم الأمن في إسرائيل، فهو الذي قاد أول عملية سلام بين إسرائيل ومصر، ولكن هذا كان في عهد مناحيم بيغن، والآن عهد بنيامين نتنياهو وهو رجل بلا سجل مهم في بناء دولة إسرائيل، وكل ما عرف عنه أنه متحدث لبق أمام الكاميرا ولديه القدرة المؤثرة للتحدث مع الغرب.

ولكنّ هناك شيئا مهما يحدث على الساحة الإسرائيلية، هناك تهور وبحدة نحو المزيد من التطرف، هناك تيار معادٍ لعرب الـ 48 يتنامى، ويتزعم هذا التيار المسمى بحزب «إسرائيل بيتنا» شخصية شديدة التطرف والعدائية، أفيغدور ليبرمان، ويهدد وبقوة انفراد حزب الليكود بأصوات اليمين المتطرف في إسرائيل، فهو يدخل على الخط السياسي بقائمة من المطالب المتشددة، تطلب من عرب 48 أداء يمين قسم الولاء للدولة، وتشكك في أحقية انتمائهم، وكل الأحزاب تزايد على المواقف من قضية السلام، فترفع شعارات عدم الانسحاب إلى حدود 1967، وترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وطبعا ترفض تقسيم مدينة القدس.

ولكن من الواضح أن الأحزاب الإسرائيلية الحالية تأخذ خطا دفاعيا، فهي تشعر أن العالم لن يكون متفهما أو مستوعبا لفكرة إسرائيل كما كانت، وأن لديها الحق بأن «تدافع» عن نفسها بأي طريقة وبأي ثمن، دون أن تتحمل التبعات الأخلاقية لما تقوم به من مخالفات خطيرة بحق القوانين والأعراف والمعاهدات والمواثيق.

المعركة الأخيرة التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة وسكانه والمجازر التي اقترفتها، تنعكس على صناديق الاقتراع، فالمعركة لم تحقق أي حسم كامل، وهذا هو سبب «هزة» باراك وليفني، وطبعا سبب صعود نتنياهو وليبرمان.

جنوح إسرائيل نحو التطرف والمزيد منه هو ردة فعل طبيعية لكل كيان يحاصر ولديه إحساس بالتهديد وبضرورة الدفاع عن نفسه من أرتال التهم الموجهة إليه من كل صوب وطرف. إسرائيل خسرت الكثير في معركة العلاقات العامة، ولم تعد قادرة على الترويج لنفسها على أنها دولة بريئة وضعيفة وسط الذئاب. أصابعها ملوثة بالدماء، وسجلها الحقوقي أسود، واليوم تختار التطرف من جديد، وهذه العقليات لن يقضي عليها سوى حصارها بخيار السلام. حصل هذا مع بريطانيا في الهند، وحصل هذا مع حكم البيض في جنوب إفريقيا، والعبرة دائما بالنهايات. والتطرف اليهودي الأصولي وصل إلى الحكم مجددا في إسرائيل.

[email protected]