اللعب بالنار

TT

كان من الجيد رؤية الرئيس في إحدى الليالي القريبة. ظهر الرئيس هادئا كما هو مألوف، ولطيفا للغاية، تبدو عليه الحماسة. ويبدو أن ذلك كان له أثر جيد.

على الرغم من تردي الوضع الاقتصادي، والمشاكل الكثيرة التي يواجهها الاقتصاد، ومع معاناة عشرات الملايين من الأميركيين، قضى الجمهوريون جزءا كبيرا من الأسبوع يمارسون ما ألفوا القيام به، حيث بذلوا قصارى جهدهم من أجل إعاقة حزمة التحفيز الاقتصادية التي تجابه طريقا صعبا داخل الكونغرس.

قال ليندسي غرهام، وهو سيناتور جمهوري من كارولينا الجنوبية يعارض حزمة التحفيز الجديدة: «يبعث مشروع القانون رائحة سيئة داخل المكان».

بالطبع، تهدف هذه الحزمة إلى بدء عملية تطهير للفوضى الرهيبة التي نتجت من سيطرة الحزب الجمهوري على واشنطن على مدى فترة طويلة. شق الرئيس أوباما طريقه للحصول على تأييد عدد كبير من الجمهوريين حتى يتسنى له القيام بمحاولة حقيقية لدفع عملية الإحياء الاقتصادية للأمام، ولكنه قوبل بالرفض حينا، وبالازدراء أحيانا أخرى. وفي ليلة الخميس، قام بالهجوم على تعنت الحزب الجمهوري، والسياسات الفاشلة التي اتبعها خلال الفترة الماضية. وفي صباح يوم الجمعة، ومع إعلان الحكومة عن أن نحو 600.000 موظف تم تسريحهم خلال يناير (كانون الثاني)، ظهر الرئيس على الملأ مرة أخرى، مؤكدا مقدار عدم الإحساس بالمسؤولية في عدم القيام بأي شيء لمواجهة الأزمة المتنامية. لم يكن العدد للعاطلين الجدد عن العمل وتشجيع الرئيس، عاملين كافيين لدفع الجمهوريين إلى القيام بأي رد شيء. ولكن بحلول مساء يوم الجمعة، بدا أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري قد ركبوا نفس المركب، عددا صغيرا، ولكنه كان كافيا لضمان تمرير حزمة تحفيز اقتصادي معدلة (ومخففة) بهامش صغير جدا.

ولكنه عدد صغير. وحتى مع نشر الخبر عن الوصول إلى اتفاق، كان بوب كوركر، السيناتور عن ولاية تينيسي، يتحدث بصورة سلبية عن حزمة التحفيز الاقتصادي على قناة «سي.إن.إن»، قائلا: «يعد مشروع القانون هذا بمثابة كارثة». والواضح منذ أعوام أن الحزب الجمهوري قد أصبح لا قلب له. ويبدو من إعاقته المتعمدة الحمقاء لمشروع القانون وغياب أي رد فعل جاد من ناحيته إزاء أزمة اقتصادية قومية واضحة، أنه أصبح حزبا لا عقل له أيضا.

لقد تصرف الجمهوريون في واشنطن مثل زمرة من الحيارى يقفون أمام طريق رجال إطفاء يسعون لمواجهة حريق مدمر. وأفضل ما يمكن أن يقال عن الحزب هو أنه يبدو أن عددا قليلا من أعضاء مجلس الشيوخ تمكنوا من أن ينفصلوا عن هذه الزمرة بالقدر الذي يسمح لرجال الإنقاذ التحرك للأمام ولكن ببطء. تحدث الرئيس أوباما ليلة الخميس عن عناد الجمهوريين، حيث قال وهو يتحدث إلى تجمع في مدينة وليامزبرغ بولاية فرجينيا: «لا تأتوا إلى الطاولة معكم نفس الحجج البالية والأفكار التي أتى عليها الزمن والتي أدت إلى وقوع هذه الأزمة». وأضاف أنه دون القيام بإجراء سريع حيال مشروع قانون حزمة التحفيز الاقتصادي فإن «الاقتصاد الذي يعاني من أزمة بالفعل سوف يواجه كارثة».

وجاء خبر العدد الكبير من العاملين الذين تم تسريحهم خلال يناير (كانون الثاني) بعد مرور قرابة 12 ساعة فقط، وكان ذلك آخر خبر ضمن سلسلة طويلة وبشعة عن الجراحات التي يعاني منها سوق العمل، ويعود الكثير منها إلى هوس الحزب الجمهوري بتعويذة اقتصادية مدمرة تعتمد على سياسات العرض. نُشر على الصفحة الأولى من صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الجمعة مقال أشار إلى أن عدد النساء على قوائم المرتبات في الولايات المتحدة قد يتجاوز عدد الرجال لأول مرة في التاريخ الأميركي، ولا يعود ذلك إلى أن النساء يؤدين عملهن بصورة جيدة، ولكن لأن الرجال يؤدون عملهم بصورة ضعيفة للغاية.

خلال قراءتي للمقال، فكرت في الرجال الذين اعتادوا الاستماع إلى روش ليمبو خلال قيادتهم للسيارة أو داخل أماكن العمل، ولكنهم يستمعون إليه في الوقت الحالي وهم داخل غرف المعيشة بسبب المكاسب التي حصلوا عليها من اتجاه اليمين الذي تبناه الحزب الجمهوري وآيديولوجية تخفيض الضرائب التي لم يستفيدوا منها، حيث إنهم الآن بلا وظائف. ويقول هيدي شيرولز، وهو اقتصادي لدى معهد السياسات الاقتصادية: «منذ بداية الركود، خسر الاقتصاد الأميركي وظائف أكثر من مجمل سكان شيكاغو». ومع ذلك، لم يستوعب الجمهوريون هذا الوضع حتى الآن، يتصرف الجميع كما لو كانوا لا يفهمون أنه في هذا التراجع الاقتصادي الجذري يبدو الطلب على الخدمات والسلع وكأنه قد هوى من مكان مرتفع، وأنه حينئذ تكون هناك حاجة إلى إنفاق حكومي ليحل محل جزء كبير من الطلب المفقود.

ويكون الهدف مزدوجا: تقليل جزء من المعاناة الكبيرة، وهو أمل يسهل استيعابه لمن كان له قلب، وإحياء الاقتصاد المتردي، وهو أمل يسهل فهمه لمن كان له عقل.

كرر السيناتور جون ماكين يوم الجمعة ما يقوله الكثير من زملائه الجمهوريين عندما أكد وهو في حال من السخط: «هذا ليس مشروع قانون للتحفيز الاقتصادي، إنه مشروع قانون نفقات». وقد تناول الرئيس أوباما هذا الاعتراض ليلة الخميس. سأل الرئيس بصوت مرتفع: «ماذا تظن عملية التحفيز الاقتصادي؟» ثم أجاب: نفقات، «هذه هي القضية برمتها»، وتعالت الضحكات من جانب الجمهور.

*خدمة «نيويورك تايمز»