تشم في قصائده رائحة البارود!

TT

في اللغة الإنجليزية تعبير للاستحسان. إذا قرأ أحد مقالا أو بحثا أو قصيدة أعجبته، فإنه يقول «أشم فيها رائحة القنديل»، أي أن الكاتب أمضي وقتا طويلا شاقا في كتابتها؛ فاحتاج إلى قنديل بعد قنديل، حتى تسللت الرائحة بين الحروف.. فكان ذلك دليلا على المعاناة..

كان ذلك أيام القنديل.. أما اليوم، فلا قنديل.. وإنما الكهرباء التي لا رائحة لها..

ولكن الكاتب يعاني، وتكون له سلوكيات غريبة قبل الكتابة وأثناءها وبعدها. وقناديل المعاناة تختلف من كاتب إلى آخر.. فالأديب الكبير فيكتور هيجو يكتفي بشم رائحة القهوة.. بينما الأديب بلزاك يشرب ثلاثين أو خمسين فنجانا من القهوة، وهذا لو مارس الجنس أيضا.. والشاعر الألماني شيلر يفتح درج المكتب ليخرج تفاحه يشم رائحتها ويديرها بأصابعه ولا يأكلها.. والأديب الأميركي تنسي ويليامز يضطرب تماما أثناء الكتابة، لدرجة أن الناشر يذهب به بعيدا إلى أحد الجزر الاستوائية.. هناك، حيث يمارس الكتابة نصف عريان!. والفيلسوف سارتر يكتب في عدد من المقاهي المعروفة في باريس، وأمامه زجاجة نبيذ أحمر، وضوضاء المقهى..

والصديق الشاعر كامل الشناوي يكتب أرقّ قصائده وسط الضوضاء والسجائر، وواحد يستعجله من حين إلى حين.. وهذا لو اشتعلت أو احترقت أو انفجرت مناقشة بين الضيوف، وكلهم من الصحافيين أو الوزراء.. هنا فقط تتولد المعاني الجميلة في هذا الجو القاتل للفكر، أو الرغبة في الكتابة!.

كامل الشناوي هو صاحب التعبير الجميل بأنه دخل إحدى المقاهي، فلم يكد الناس يرونه حتى سكتوا، ولما سكتوا خُيِّلَ إليه أن العمارة سوف تقع.. كأنها كانت قائمة على أعمدة الضوضاءّ!.. فقصائده الرقيقة تشم فيها رائحة البارود!.