جواسيس أونلاين !

TT

رغم مضي أكثر من 20 سنة على رحيل الجاسوس البريطاني الجنسية كيم فيلبي، فإن ثمة اتفاقا على أنه الجاسوس الأكثر شهرة، فاسمه لم يزل يتردد في الكثير من الكتب والدوريات التي تحاول حل لغز ذلك الجاسوس، الذي دمر قلعة الجاسوسية البريطانية من الداخل، حينما فر في عام 1963 إلى الاتحاد السوفيتي، مؤكدا أن ولاءه لم يكن يوما لغير الاتحاد السوفيتي، رغم موقعه المتقدم في المخابرات البريطانية، إذ يقول: «تحدث بعض الكتاب عني كما لو كنت عميلا مزدوجا أو حتى عميلا لثلاث جهات على قدم المساواة، وهو قول باطل. فخلال كل سنوات عملي كنت عميل اختراق، أعمل لمصلحة المخابرات السوفيتية، وواقع انضمامي إلى المخابرات البريطانية لم يكن سوى تمويه يضمن الوصول إلى مركز يسمح بخدمة الاتحاد السوفيتي على أفضل وجه».

ويوجه كيم فيلبي الذي عمل في لبنان من عام 1956 إلى عام 1963 تحت ستار العمل الصحافي ـ في مذكراته ـ رسالة إلى أصدقائه العرب قائلا: « أريد هنا أن أنبه أصدقائي العرب، الذين يمكن أن يقرأوا هذه المذكرات إلى أنني لم أخن قضيتهم أبدا، ولم أطلع البريطانيين على مجريات أفكارهم»، ثم يضيف بعد ذلك عبارة صادمة، فيقول: «والبريطانيون لا يهتمون على أية حال بمعرفة آراء العرب»!، ولم يشرح فيلبي أسباب عدم اهتمام البريطانيين بمعرفة آراء العرب، وغياب التعليل، أو النص المفقود في كلام فيلبي يحرض على السؤال: هل كان البريطانيون حقا غير مهتمين بسماع آراء العرب في تلك الفترة 1956 ـ 1963، رغم المد القومي، ورغم بوادر حركات التحرر، التي شهدتها تلك الحقبة من التاريخ؟ أغلب الظن أن فيلبي أراد بكلامه ذلك صب المزيد من الزيت بين العرب والبريطانيين لصالح الاتحاد السوفيتي في صراع الاستقطاب، والحرب الباردة.

ومهما يكن الأمر، فقد يكون فيلبي آخر الجواسيس التقليديين، فالجاسوسية الحديثة تتمرد اليوم على الصورة النمطية التقليدية للجاسوس، صاحب الألف أذن، والخمسمائة أنف، فلقد دخل العالم عصر الجاسوسية الإلكترونية، وأصبح بالإمكان مراقبة أي فرد من خلال هاتفه، وبطاقته المصرفية، وبريده الإلكتروني، ومواقع الإنترنت التي يتنقل بينها، ومن ناحية أخرى غدا الإنترنت الساحة التي تصطاد منها أجهزة المخابرات عملائها من مختلف أنحاء العالم، لتقوم بتحويلهم إلى «جواسيس أونلاين»، يعملون لصالحها ضد أوطانهم، ومجتمعاتهم، تماما كما التقطت مخابرات الاتحاد السوفيتي في تلك العقود البعيدة كيم فيلبي ليغدو الرمز الأسوأ في قائمة الجواسيس، الذين خانوا أوطانهم.

وإذا صدقت إحدى وكالات الاستخبارات الغربية بأنها تلقت مؤخرا نحو 150 ألف طلب للعمل لصالحها من جميع أنحاء العالم يمكننا أن ندرك موجة التردي الأخلاقي، التي تعكسها حالة التهافت على العمل التجسسي لصالح الغير، وحسب الأوطان نقاء الأوفياء.

[email protected]