خطة إنقاذ سريعة ومتكتمة

TT

في تصريح أدلى به مؤخرا في إطار إعلانه حزمة من الإجراءات الاقتصادية قد تصل تكلفتها إلى 2 تريليون دولار، قال وزير الخزانة تيموثي غيتنر إن برنامج الإنقاذ المالي يتضمن «أعدادا ضخمة للغاية»، وهو أمر صادق تماما بالنظر إلى أن قيمة إجراءات الإنقاذ المالي التي اقترحها تكافئ حوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة العام الماضي. ولا يشمل هذا المبلغ برنامج التحفيز الاقتصادي البالغة قيمته 838 مليار دولار أو الـ350 مليار دولار التي أنفقناها بالفعل على برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة. وتكشف خطة غيتنر ثلاثية المحاور مدى القلق الذي يشعر به المسؤولون الحكوميون إزاء هشاشة النظام المالي. واقترح غيتنر إنشاء «صندوق الاستقرار المالي» بهدف توفير رؤوس أموال جديدة للمصارف التي تخفق في «اختبارات الضغط» التي وضعتها الحكومة لميزانياتها، وصندوق جديد للاستثمار العام والخاص بحيث يوجه ما يصل إلى تريليون دولار لشراء الأصول العقارية المسمومة، وبرنامج آخر بتكلفة تريليون دولار لإنقاذ أسواق الاعتماد المجمدة التي تمارس الاتجار في الأوراق المالية المدعومة بقروض طلابية وسندات القبض المتعلقة ببطاقات الاعتماد وقروض السيارات والعقارات التجارية وما إلى غير ذلك. والواضح أنه لا أحد تروق له فكرة إنقاذ أوغاد وول ستريت الذين خلقوا هذه الفوضى، لكن الخبراء الماليين يرسمون صورة مخيفة لما يمكن أن يقع إذا لم تشرع الاعتمادات العادية في التدفق مجدداً في وقت قريب. إننا نتحدث هنا عن أزمة يمكن أن تقطع السندات البلدية التي تمول حكومات الولايات والحكومات المحلية، ووقف الأوراق التجارية التي تمول المخزونات والتجارة، بل وقد تقوض التمويلات الموجهة إلى نظام بطاقات الاعتماد داخل البلاد.

وتبدو حزمة الإجراءات الاقتصادية التي اقترحها غيتنر منطقية إذا ما كنت تعتقد أن «كارثة» مالية، حسب تعبير الرئيس أوباما، في طريقها نحونا. لكن من المحتمل أن غيتنر، الذي قضى العام الماضي عاكفا على تخيل السيناريوهات المحتملة الأسوأ أثناء ترؤسه مصرف الاحتياطي الفيدرالي، يعاني من عدم اتزان جراء تعرضه لتوتر وضغوط هائلة. ولتبسيط الفكرة باستخدام تشبيه غير مالي، يمكننا النظر إلى القرارات المرتبطة بـ«الحرب ضد الإرهاب» التي تم اتخاذها خلال عامي 2002 و2003 من قبل البيت الأبيض بقيادة بوش، الذي كان يطرح صباح كل يوم تقديرات للتهديدات التي تواجهها البلاد يشيب لها الولدان. إن ما نحتاجه في التعامل مع هذا الأمر المزيد من الشفافية، بحيث تتمكن مجموعة من الأفراد أوسع نطاقا في التفكير بشأن ما إذا كانت سياسات الإنقاذ المالي تؤتي نتائج إيجابية. وقد كانت تلك مشكلة كبرى خلال الجولة الأولى من تنفيذ إجراءات الإنقاذ المالي في إطار برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، حيث جرى تنفيذ الإجراءات في عجالة وتكتم. وتم إغداق مبالغ ضخمة على توفير قروض وإعانات لمواجهة الأزمة. والآن، من الصعب اقتفاء أثر هذه الأموال.

في الواقع، ينأى المسؤولون عن تنظيم الأسواق المالية بطبيعتهم عن الشفافية. على سبيل المثال، كان يجري في وقت من الأوقات فرض السرية على وقائع اجتماعات مصرف الاحتياطي الفيدرالي، بناءً على فرضية ترى أن تفاصيل هذه الاجتماعات ستثير الذعر في الأسواق. وسادت هذه العقلية عندما تقدمت بلومبرغ نيوز بطلب في نوفمبر (تشرين الثاني) في إطار قانون حرية المعلومات للحصول على تفاصيل قروض قدمها مصرف الاحتياطي الفيدرالي تتجاوز قيمتها 2 تريليون دولار. في ديسمبر (كانون الأول)، رفض المصرف الطلب.

من ناحية أخرى، وعد بين بيرنانك، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي، الكونغرس بالأمس، بمراجعة سياسات الحفاظ على الأسرار المصرفية التي ينتهجها المصرف وإنشاء موقع جديد متطور على شبكة الانترنت. إلا أنه حتى المعلومات المحدودة الموجودة على الموقع القديم الرديء تثير بعض التساؤلات حول ما إذا كان غيتنر وبيرنانك يتحركان باتجاه طريق مظلم. يذكر أنه حتى الأسبوع الماضي، كان لدى المصرف اعتمادات معلقة بقيمة 1.84 تريليون دولار، منها حوالي 475 مليار دولار فقط في صورة أوراق مالية عادية خاصة بوزارة الخزانة، وهو النمط الذي شكل حتى ظهور الأزمة قرابة كل محفظة الأوراق المالية التي يملكها المصرف الاحتياطي الفيدرالي. وتضمنت العناصر الجديدة التي ظهرت بالميزانية 259 مليار دولار موجهة لتعزيز سوق الأوراق المالية. ولو كان هذا التوجه ناجحا، لماذا نحتاج إذاً لتسهيل جديد؟ وإذا لم يكن ناجحا، لماذا نضيف المزيد من المال؟ ثم نجد فاني ماي وفريدي ماك. حتى الأسبوع الماضي، كانت لدى المصرف الاحتياطي الفيدرالي اعتمادات عالقة بقيمة 29 مليار دولار لحساب الأوراق المالية الخاصة بفاني ـ فريدي، و7 مليارات دولار إضافية للأوراق المالية المدعومة بالرهون التي تملكها الشركتان. تبعا لخطة الإنقاذ الجديدة، من الممكن أن تقفز هذه الأرقام إلى 100 مليار دولار و500 مليار دولار. لكن هل تمثل هذه الزيادة إجراءً منطقيا؟ وإذا أردت الشعور بقلق حقيقي حيال أسلوب استغلال أموالك، عليك النظر إلى العناصر الواردة بميزانية المصرف الاحتياطي الفيدرالي المشار إليها باسم ميدين لين 2 و3. ويحفظ هذان العنصران اللذان تم إقرارهما لأهداف محددة أوراقا مالية بقيمة 46.4 مليار دولار من أميريكان إنترناشونال غروب، وهي شركة تأمين عملاقة انهارت مؤخرا. إلى جانب ذلك، حصلت أميريكان انترناشونال غروب على 40 مليار دولار أخرى من وزارة الخزانة في ظل برنامج يدعى «المؤسسات المهمة المنهارة». وإذا ما سألت أناسا مطلعين على خبايا وول ستريت حول السر وراء حصول أميريكان انترناشونال غروب على كل هذه الأموال، سيجيبون أن الهدف هو الحيلولة دون انهيار الأطراف المتعاونة معها، وهي المصارف الاستثمارية الكبرى مثل مورغان ستانلي وغولدمان ساشز. ويتحتم على غيتنر تجنب هذا النمط من الخداع.

لقد نشأت مشكلات وول ستريت بصورة جزئية من السرية التي تم من خلالها صياغة أنظمتها المالية المختلة. وكان لكل من وزارة الخزانة ومصرف الاحتياطي الفيدرالي دور في هذا الأمر، من خلال تمسكهما بعدم «وصم» المؤسسات التي تتلقى مساعدات مالية. ويجب إيقاف هذه السياسة. وإذا كان غيتنر يرغب في إغداق أموالنا على حزمة الإنقاذ الاقتصادي الجديدة، عليه الكشف علانية عن المزيد من التفاصيل حول كيفية إنفاقها، وهذا هو السبيل الأمثل الواجب اتباعه على هذا الصعيد.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»