مد أوباما يد المصافحة أكبر تحد للجمهورية الإسلامية

TT

في الذكرى الثلاثين لإعلانها، تواجه «الجمهورية الإسلامية» أكبر تحد لبقاء الأيدولوجية الخومينية منذ إعلان صدام حسين الحرب عليها قبل 27 عاما.

كاريكاتير «الايكونومست» البريطانية صور الملالي متشحين بالسواد يقفون في نصف دائرة وعلى وجوههم علامات الفزع، ووسطهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أكثر ارتباكا والرئيس الأمريكي باراك أوباما يواجههم في ثقة وحيدا يمد يده للمصافحة.

العلاقة مع أمريكا هي الأساس الذي تقف عليه الجمهورية الإسلامية والنبع الذي يسقيها لثلاثة عقود.

في إيران عدد لا يستهان به من عاشقي أمريكا وثقافتها ويتحرقون شوقا لحريتها من خلال الصورة النمطية stereotype التي تقدمها هوليوود، ومن مناقشاتهم في غرف دردشة الإنترنت والمدونات ومن حكايات الكبار يهزون رؤوسهم أسفا على إفلاس الثورة للاقتصاد والحروب والخراب، كحال كل ثورات انقلابات العالم الثالث.

مقابل الحب الدفين تجد الكراهية العلنية لأمريكا يرفعها الملالي وحراس الثورة (الباسدران). أمريكتهم عرفوها من الصورة النمطية التي طورها فلاسفتهم لبروباجندا المعسكر الشيوعي (الشيوعيون بتياراتهم المختلفة هم من أطلق شرارة الثورة التي سرقها الملالي ونصبوا المشانق لرفاق الثورة «الكفار»).

أضاف آية الله الخميني البعد الثيولوجي اللاهوتي إلى كراهية أمريكا فأصبحت جزءا لا ينفصل عن العقيدة الجديدة Neo-theology «الإسلام الجمهوري الثوري».

العلاقة الجدلية بين الخير (الملائكة) والشر(إبليس) جزء أساسي من فلسفة إيمان الأديان السماوية. الخوميني استغلها بشكل ميكيافيلي، في أيدولوجيته السياسية، بضرورة محاربة إبليس/الشيطان لدعم نظرية ولاية الفقيه وإضفاء بعد لاهوتي عليها، يمكنه من تكفير الخصوم. ونرى ذلك مثلا في منح لجنة حكماء غير منتخبة، الحق في منع أي مرشح يشككون في إيمانه من خوض الانتخابات.

نظرية ولاية الفقيه، في جوهرها، ديكتاتورية لا تختلف إلا في الشكل عن الشيوعية سواء الماوية، أو اللينينية، أو الستالينية.

الفقيه / الزعيم غير منتخب، يحتكر التفسير الدينيوي للرسالة الإلهية.

تاريخيا يقوى أي نظام ثوري نفسه داخليا بالعثور على شيطان خارجي يحاربه.

أيضا كل ثورة تحتاج الى أسطورة تأسيسية founding myth تحمي النظام السياسي القمعي. اخترع الخوميني الشيطان الأكبر (أمريكا) وأضاف الشيطان الأصغر «إسرائيل» كجزء من تصدير أيدولوجيته للبلدان العربية الإسلامية (التي تتغير درجة عدائها لإسرائيل حسب نسبة ديكتاتورية نظامها وما يراه من تهديد المعارضة الداخلية ومطالبها بالإصلاح). العباد يحتمون بعباءة الفقيه الوالي للنجاة من شرور الشيطانين.

الثورة البلشفية تمثل فلكولورها التأسيسي في شيطنة القيصر والإقطاع وراسبيوتين (ولذا أجهزت الثورة البلشفية على أسرة القيصر حتى لا تتاح للجماهير فرصة اكتشاف أنهم آدميون وليسيوا شياطيين).

الثورة الفرنسية وجدت شيطانها في طبقة النبلاء وماري انطوانيت التي شوهت إنسانيتها قبل أن تقطع المقصلة رقبتها الجميلة باختراع رواية أنها قالت «فليأكل الجياع الجاتوه» عندما لم يعثروا على الخبز.

فلاديمير لينين؛ وجوزيف ستالين، وماو تسي تونغ، فقهاء تولوا تمثيل ديكتاتورية البروليتاريا «الطيبة، وجدوا الشيطان الداخلي في البرجوازية أو رأس المال أو ملاك الأراضي، والشيطان الخارجي في الإمبريالية - والمقصود العالم الحر.

الزعيم الفيلسوف ماو وجه ثورته الثقافية لحرق الكتب «البرجوازية» وأدبيات الثورة المضادة، وثورة الوالي الفقيه الثقافية تحرم ما تراه غير إسلامي من موسيقى وفنون.

ديكتاتورية الفقيه تتمتع بميزة حرمت منها ديكتاتورية البورليتاريا الشيوعية.

فالأخيرة «وضعية» يمكن دحرها بجدل منطقي، أو باستعراض الإنجازات الإنسانية من علوم وفنون وآداب في النظم الليبرالية التي تقدس حرية الفرد وحرية التعبير والإبداع.

الخوميني، بدهاء رجل الدولة، ربط أيدولوجيته السياسة بالإسلام، وأسس سابقة تكفير من يخالفونه الرأي بفتوى إهدار دمائهم وتعليقهم من المشانق في شوارع طهران.

حسب الخميني مقدما أن ثورته ليست مثل الفرنسية التي رفعت شعار«الحرية، والإخاء، والمساواة»، كأساس للديموقراطية، فثورة الخميني أعادت بلاده للوراء افتصاديا واجتماعيا وفي مجال حقوق الإنسان والمساواة فكان لا بد من البحث عن عدو خارجي كسبب للتخلف وتبرير لوأد الحريات، ولتصدير الإرهاب للخارج.

اختار أكبر أغنى قوة على وجه الأرض، أمريكا، ليستفزها ويجعل منها الشيطان الأكبر في حادثة غيرت موازين الديبلوماسية باحتلال السفارة الأمريكية واحتجاز الموظفين رهائن. الخوميني أدرك تناقض فلسفة ديكتاتورية الفقيه مع مباديء الدستور الأمريكي، وبالتالي ضمن استمرارية العداء مع أمريكا، حيث لن تنتخب إدارة أو يصوت برلمانها (الكونغرس) على سياسة مناقضة للدستور، وبالتالي ضمان استمرارية حالة «التأهب» الثورية تحسبا لهجمة الشيطان.

أثناء سنوات الحرب الثماني التي بدأها صدام، كان عدد هتافات «الموت لأمريكا» بعد صلاة الجمعة، يفوق هتافات «الموت لصدام» بعشرات المرات وصورته أدبيات المرحلة كمنفذ للإرادة الأمريكية.

عند اختطاف الحرس الثوري لبحارة البحرية الملكية، قبل ثلاث سنوات (وهي صورة مصغرة لاقتحام السفارة لما فيها من انتهاكات للبروتوكوليات الدولية)، هتفت المظاهرات «الموت لأمريكا» وليس الموت لبريطانيا.

وصعود نجم أحمدي نجاد، وكان من مجموعة اقتحام السفارة الأمريكية في عام 1980 واحتجاز موظفيها رهائن، دليل على استمرارية مرحلة الثورة، فلم يكن في نية الخميني أن تبلغ إيران ابدأ استقرار الدولة.

مبادرة الرئيس أوباما قد تقوض دعامات صرح ولاية الفقيه عندما يكتشف المواطن الإيراني أن الشيطان الأكبر هو نموذج لتكافؤ الفرص وحرية الفرد في التعبير واختيار المأكل والملبس الذي حرم الإيرانيون منه.

انتخاب أمريكا لأول رئيس أسود، أربك حسابات الأنظمة الثورجية المعادية لليبرالية، والتي لن تتاح الفرصة فيها لفرد من الأقليات أو صاحب فكر مخالف لتبوؤ منصب قيادي.

عرض أوباما المصافحة كشف كعب أخيل الجمهورية الإسلامية.

فعولمة المعلومات أتاحت للإيراني العادي الاستماع لخطاب أوباما يوم أداء اليمين الدستوري ولم يكن أمام الوالي الفقيه الثاني، آية الله على خامنئي، مفر من توجيه أحمدي نجاد للترحيب بفتح حوار مع واشنطن.

وهذه انفراجة كان العالم الحر يبحث عنها لثلاثة عقود. ولسنوات طويلة يبحث العالم حلا ديبلوماسيا للمشاكل التي تسببها إيران إقليميا وعالميا (تصدير الثورة، دعم وتسليح الجماعت الإرهابية والمتطرفين، تهديد استقرار الجيران، عرقلة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رفع توتر سباق التسلح النووي).

والمطلوب من العرب وأوربا إكمال دعوة الرئيس أوباما بالتنسيق ديبلوماسيا في خطة شاملة ربما لن تنجح في إقناع إيران بتسوية هذه المشاكل، لكن الانفتاح على العالم سيساعد على تقويض دعائم الديكتاتورية فقد تمنح الأصوات العاقلة في إيران فرصة الظهور بعد أن كتمتها دقات طبول الحرب ومكبرات الصوت وتفتح المزيد من الأعين على رؤية الحقيقة بنفسها.