هل من مفاوضات بين «الممانعين» و«المعتدلين»؟

TT

كلما اندلعت أزمة حادة في منطقة الشرق الأوسط، نشب في المقابل صراع بين ما أصطلح على تسميته بمحور دول «الممانعة» ومحور دول «الاعتدال».

حصل ذلك في الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، ونتلمسه بشكل يكاد يكون مستمرا في الداخل اللبناني، وما يعيشه من حالات شد وجذب بين الفريق الحاكم والفريق المعارض، وبلغ الصراع ذروته القصوى في الحرب الإسرائيلية الأخيرة الشرسة على أهل قطاع غزة، إلى درجة أنه – أي الصراع بين المحورين - شكل موضوعا إعلاميا مستقلا بذاته، زاد في الكشف عن عمق الخلافات السياسية بين النخب العربية السياسية الحاكمة. وهي خلافات أظهرت غياب عقل سياسي موحد ومتوحد في الحد الأدنى من الثوابت، وضاعفت من إحباط الشعوب العربية، إضافة إلى أنها منعت بلورة موقف سياسي عربي موحد، يمكن أن يشكل ورقة ضغط على مجلس الأمن وعلى دول الاتحاد الأوروبي وعلى الجانب الإسرائيلي بشكل خاص. ولا تكمن المشكلة الأساسية في وجود المحورين بشكليه الممانع والمعتدل، بل في طبيعة العلاقة القائمة بينهما، والمستندة إلى التناطح في فترات الأزمات، والتصاحب خارج زمن التوترات. فمنذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي تؤرخ لبداية تشكل محور الاعتدال في مقاربة مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع بين المحورين، بين التفاقم والتراجع حسب الأحداث التي تفجرها إسرائيل في المنطقة. وبالنظر إلى تاريخ تشكل المحورين، وهو تاريخ طويل بالمعنى السياسي، فإن العلاقة بينهما لا تزال في طورها الأول، ولم تحقق النضج المطلوب، الذي يجعل من وجود المحورين عنصرا إيجابيا في حد ذاته، وبمقدوره تحسين الأداء السياسي العربي في مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع العربي الإسرائيلي.

ولعل قمة الكويت الاقتصادية الأخيرة، وما تخللها من تراشق سياسي غير مباشر بين مصر كدولة «معتدلة» والدول «الممانعة»، يعكس عمق الاختلاف في وجهات النظر والمواقف، الذي يطال المسائل الكبيرة قبل الصغيرة، الشيء الذي جعل الشق المعتدل يرى في مواقف الشق «الممانع» نوعا من المزايدات الكلامية، التي لا تخدم القضية الفلسطينية، بقدر ما تلحق بها الضرر الكبير، والشق الممانع يتهم «المعتدلين» بعدم التمييز بين الاستسلام، والسلام، والمبالغة في توخي منطق الواقعية السياسية.

ومن يتمعن في مضامين هذا التراشق المتكرر، الذي بلغ عنفا ملحوظا في الأزمة الأخيرة، يدرك مدى أهمية التأسيس لمراجعة سياسية حقيقية وصريحة للعلاقة بين المحورين. ذلك أنه لا بد من تحقيق النضج، ومن خلق نوع من الجدلية البناءة بين المحورين تتصف بالذكاء والمنهجية والتخطيط المحكم والاتفاق الصلب، خاصة أن حالة الصراع العنيفة والعقيمة التي تعرفها العلاقة بين «الممانعين» و«المعتدلين»، قد أصبحت نقطة ضعف إضافية، تثقل كاهل القضية الفلسطينية وكاهل الصراع العربي الإسرائيلي. إن وجود المحورين مصلحة الجميع، ويجب أن يستثمر كحالة إيجابية، تنتج تصورات وسطية من نسج الممانعين والمعتدلين معا. وهو أمر يستوجب بدوره التنسيق بين المحورين، بحثا عن طريقة تؤمن السبيل الأمثل لتوزيع الأدوار السياسية من أجل تحقيق التكامل، وذلك بعيدا عن سيناريوهات التصادم والانفجار، التي يتمعش منها الطرف الإسرائيلي، ويستخدمها كحالة تشرذم ونقطة ضعف، تبيحان له الوقوع في كافة أنواع المحظور في حربه، دون اكتراث أو تخوف من مفاجأة ظهور موقف عربي، يجمع المعتدلين والممانعين في تكتل واحد مؤثر، حتى بالمعنى الرمزي للتوحد.

لذلك فإن بلوغ الصراع بين المحورين ذروته في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، يجب أن يقودنا إلى مراجعة جادة، نتجاوز فيها منطق إقصاء كل محور للمحور الآخر. فنحن أيضا نحتاج إلى مفاوضات عربية - عربية نتوصل فيها إلى رؤية متفق حولها، تمثل البوصلة للجميع دون استثناء، كي نتمكن من تأمين مفاوضات ناجحة مع الطرف الإسرائيلي، الذي احترف لعبة التسلل إلينا من شقوق الخلافات والتباينات السياسية ذات المنحى الاستراتيجي العميق.

ويمكن القول إن المقاربة السياسية المنشودة في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، توجد بنودها متناثرة في أطروحتي الدول الممانعة والدول المعتدلة.

فهل ينظر كل محور للنقاط الصائبة في أطروحة المحور الآخر، متجاوزا ورطة «التكفير» السياسي والتراشق السياسيين؟

[email protected]