الانتخابات الإسرائيلية والوحدة الفلسطينية

TT

انتهت الانتخابات الإسرائيلية كعادتها منذ أربعة عقود تقريبا دونما حسم لأغلبية برلمانية لأي من الأحزاب الإسرائيلية. تعادل حزب كاديما مع حزب الليكود، وحزب بيتنا تجاوز حزب العمال. الأخير كان أبو الأحزاب الإسرائيلية الذي أوصل بن غوريون وغولدا مائير وإسحاق رابين وغيرهم.

المؤشرات تقول بأن الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو سيشكل الحكومة بمساعدة «بيتنا» و«شاس». ولكن في السياسة الإسرائيلية كل شيء ممكن، فلقد أثبتوا أنهم لا يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض. الثوابت عندهم واحدة، والاختلافات تتلاشى وقت الحروب والمواجهات. نتنياهو سبق أن رأس الوزارة، وكذلك إيهود باراك الذي رأسها وعاد لها من باب وزارة الدفاع وحاول أن يكسب المعركة الانتخابية من خلال بوابة غزة الدموية، ولكنه فشل. تسيبي ليفني حققت نصرا بالنظر لقصر عمرها السياسي، وكثير من الناخبين هناك يرون فيها جولدا مائير الحديدية الجديدة بوجه شقراء يخفي من الدموية أكثر مما يظهر. ليفني هي حصان السياسة الإسرائيلية الجديدة، ونتنياهو وباراك وجوه مكررة معادة التصنيع (RECYCLED).

تشكيل الحكومات الإسرائيلية من جبهات وأحزاب متفاوتة ومتعارضة، يطرح التساؤل المشروع: هل هذه الأحزاب مختلفة حقا؟ ربما هم كذلك على صعيد السياسة الداخلية، ولكنهم «في الملمات واحد». لم يقتتل الإسرائيليون إلا باغتيال ييغال عامير لرئيس الوزراء حينها إسحاق رابين عام 1996م، وبقيت تلك الحادثة «بصمة عار دموية» في صفحة حرمة الدم اليهودي بالنسبة لليهودي.

الانتخابات والتوافق السياسي داخل إسرائيل فيه من الدروس والعبر للفلسطينيين الكثير. حتى فلسطينيي الداخل الذين أوصلوا أحد عشر نائبا للكنيست- أي ما نسبته 10% تقريبا من نواب البرلمان الإسرائيلي - بينما يشكلون 20% من الناخبين في إسرائيل، يطرح تساؤلا عن سبب توافقهم وتصويتهم لتشكيل كتلة أكبر عددا يمكن أن تكون «جوكر» اللعبة في تشكيل الحكومات الإسرائيلية القادمة.

التوافق السياسي الإسرائيلي يتزامن مع انشقاق فلسطيني غير مسبوق في تاريخ حركة التحرر الفلسطيني، بل ومع اقتتال وانشطار لأراضي السلطة الفلسطينية بين غزة والضفة الغربية. التصفيات التي جرت في غزة جريمة مخجلة بكل المقاييس، فبعد توقف الهجوم الإسرائيلي عليها ظهرت قطعان من القتلة تنتمي لحماس صفت العشرات ممن قالت بأنهم خونة! حماس والمنظمات الحقوقية الدولية لم تنكر هذه الفظائع. ولو سلمنا جدلا بأن القتلى خونة وعملاء، أفلا يستحقون محاكمة عادلة بدلا من تصفياتهم الجسدية العاجلة أو «التعزيز» بهم بإطلاق رصاص على ركبهم وأرجلهم للتسبب بإعاقتهم وتعذيبهم؟

والحق بأن الاقتتال والانتهاكات الفلسطينية - الفلسطينية بدأ يوم تسلمت السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور بعد توقيع اتفاقية أوسلو - وربما قبل ذلك. وحين بنت السلطة آنذاك اثنا عشر جهازا أمنيا مختلفا مارس انتهاكات تراكمت في النفوس، وتصفيات بقيت غصة ودما في الحلوق. وما انتهاكات غزة التي جرت قبل أيام (ولا تزال مستمرة) إلا حلقة من سلسلة الثارات التي بدأت ولا يلوح في الأفق نهاية لمآسيها. كانت البدايات بتباعد الشعارات، فمن شعارات التخوين والعمالة، انبثقت شعارات التكفير والعمالة، ومن شعارات «الوطنية والحرية»، تفرعت شعارات «الإسلامية والشريعة» وهكذا دواليك. مسلسل من الإلغاء بين الأطراف الفلسطينية المختلفة هو جزء لا يتجزأ من ثقافة الإلغاء العربية - العربية، وما الساحة الفلسطينية هذه الأيام إلا الصورة المصغرة لماض سياسي عربي «سحيق» موغل في التصفية وإلغاء الآخر.

كم كنت أتمنى أن يرد الفلسطينيون على نتائج الانتخابات الإسرائيلية بإجماع وطني في القاهرة حيث التقت الأطراف (أو بالأحرى الجموع)، وبتشكيل حكومة وطنية، تسبق تشكيل حكومة ائتلاف إسرائيلي ستتجاوز المصالح الفئوية من أجل مصالح إسرائيل الوطنية.