ماذا تريد إيران بالضبط؟

TT

ماذا تريد إيران، بالضبط؟ للشعب الإيراني أولا، ولجيرانها ثانيا، ومن العالمين العربي والإسلامي ثالثا، ومن الغرب والعالم رابعا؟

وهل ما تريده اليوم، بعد ثلاثين سنة من قيام ثورتها «الخمينية – الإسلامية – الشيعية»، هو ذاته ما أرادته عند قيامها؟ أم أنها آلت ـ كما آلت إليه كل الثورات الفرنسية والروسية، بعد اندلاعها بسنوات، أي إلى الاستقرار الداخلي وتطبيع العلاقات مع جيرانها والعالم؟

إن رصيد ثلاثين سنة من حكم الملالي في إيران، ليس في مجمله سلبيا. ولكن إيران عام 2009، ليست «الفردوس» الذي يعد الثوار، عادة، به الشعب، عند الاستيلاء على الحكم. ولن تحجب الصواريخ والأقمار الصناعية والتكنولوجيا النووية، واقعا اجتماعيا واقتصاديا، متأرجحا بين التخلف والتقدم.

صحيح أن إيران توقفت عن القيام بالعمليات الإرهابية، التي أقدمت عليها، مباشرة أو بواسطة عملاء لها، في الثمانينات والتسعينات. ولكنها لم تتوقف عن تمويل وتسليح تنظيمات وأحزاب، في بلدان عدة من الشرق الأوسط. وهي تنظيمات وأحزاب مناهضة للأنظمة الحاكمة ورافضة لأي مشروع للسلام في الشرق الأوسط.

وبالرغم من انفتاحها وإعلان رغبتها في التحاور مع الأنظمة الحاكمة في المنطقة، فإن إيران – كما حدث أثناء العدوان الأخير على غزة ـ تنتهز كل عدوان إسرائيلي لتحريض الشعوب العربية على حكامها، مباشرة أو بواسطة الأحزاب والتنظيمات التي ترعاها، مستهدفة الدولتين ـ الركنين في جسم الامة العربية، أي مصر والسعودية.

إن إيران لم تتوقف عن تصدير ثورتها الخمينية – الشيعية إلى الدول العربية. لا سيما تلك التي يضم شعبها أكثرية أو أقلية شيعية، رغم كل التصريحات النافية لذلك. ولكن الفرق بين الثمانينات، واليوم، هو في أن أسلوب التصدير تغير. ففي لبنان، مثلا، تحول حزب الله من مقاومة إسرائيل إلى حزب مشارك في الحكم ومعطل له، في آن معا. وفي فلسطين، أدى دعم إيران لحماس. إلى تشجيعها على الاستيلاء بالقوة على غزة، وإلى قسمة الصف الفلسطيني، ومؤخرا، إلى ذريعة للهجوم على مصر، وتحريض الشعب المصري على حكامه.

إذا اتخذنا من تصريحات وخطب الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، مؤشرا على ما تريده إيران، لخرجنا بالأهداف التالية:

1 ـ بلوغ القدرة على امتلاك الطاقة النووية التي تكرس «مكانة إيران العالية» في الشرق الأوسط.

2 ـ محو إسرائيل من الخريطة، وبالتالي رفض ومعارضة أي مشروع للسلام في الشرق الأوسط، سواء بشروط مبادرة القمة العربية، أم بشروط الدول الكبرى. واستغلال الغضب العربي من سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لتصفية حساباتها مع الأنظمة العربية.

3 ـ استقطاب كل الشيعة في العالم حول إيران، عن طريق رفع شعار «الدفاع عن المستضعفين»، أو شعار «استعادة الحق الشيعي في حكم العالم الإسلامي»، المسلوب منذ أربعة عشر قرنا، وتكريس سلطة رجال الدين على الحكم، بناء على نظرية ولاية الفقيه.

غير أن إيران في هذه الرؤية الثورية والامبريالية والدينية المذهبية للعالم تتجاوز واقع الشرق الأوسط ومصالح شعوبه وأمانيها، كما تصطدم بالمجتمع الدولي، والغرب بوجه عام. ومن الطبيعي أن ينبري الذين يجدون أنفسهم أو مصالحهم مهددة بهذه الطموحات الإيرانية الكبيرة، للدفاع عن أنفسهم ومصالحهم. وأن يؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسامات والتوترات في العالمين العربي والإسلامي، وإلى شبه حرب باردة بين إيران والغرب الأميركي ـ الأوروبي. وأن يصل الأمر إلى حد الحديث عن مزيد من العقوبات الدولية على إيران، وإلى التهديد باللجوء إلى القوة، إذا فشلت كل المساعي الدبلوماسية لحل مشكلة إيران النووية.

لقد مد الرئيس الاميركي يده إلى إيران، والسؤال هو: هل ستأخذ إيران بهذه اليد الممدودة أم ستواصل حربها على «الشيطان الأكبر» في الشرق الاوسط؟ يراهن بعض المراقبين الغربيين على احتمال حلول خاتمي محل أحمدي نجاد في الرئاسة. وبالتالي على حلول الاعتدال والانفتاح محل التطرف والعداء. مع العلم بأن الكلمة الأولى والأخيرة في طهران هي لمرشد الثورة خامنئي، الذي لم يبدر عنه أي مؤشر تغيير لموقفه من الولايات المتحدة. ويراهن الإيرانيون على انشغال الإدارة الأميركية بالأزمة المالية والاقتصادية، وبمطاردة الطالبان وفلول «القاعدة» في أفغانستان، ليواصلوا سياسة التحدي والتوسع. ولكن الجبهة المفتوحة في المعركة التي تقودها إيران في المنطقة، بانتظار جلاء المشكلة النووية، وإنقاذ أفغانستان من الطالبان، هي الجبهة الفلسطينية. التي يبدو ان الرئيس الأميركي الجديد مصمم على القيام بدور أميركي جدي وجديد في إيجاد حل سلمي لها.

ومن هنا فإن الجولة الأولى في الحرب الباردة الأميركية ـ الإيرانية ستجري في غزة والضفة الغربية، أيا كان الفائزون في الانتخابات الإسرائيلية. هذا إذا ترك الإسرائيليون للرئيس الأميركي حرية المبادرة والحسم، وإذا ترك الإيرانيون لحلفائهم الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، حرية القرار.