حساب الأرباح والخسائر

TT

من الصعب إعطاء جرد بالربح والخسارة في غزة في هذا الأمد القصير، ولكنني مع ذلك سأغامر وأدلي برأيي، وهو ما على الكاتب الصحافي ان يفعل ثم يندم. كاد سائر المعلقين ان يجمعوا على ان الغزوة الاسرائيلية لن تدر على اسرائيل شيئا. إنها تتعلق بالانتخابات القادمة اكثر مما تتعلق بالحالة الميدانية. إنها مسألة المزايدة بين الزعماء، كم قتل من الفلسطينيين سيستطيع اولمرت ان يتبجح.

قارب الكثير، بمن فيهم بعض زعماء اليهود بين ما فعلته اسرائيل بالفلسطينيين وبما فعله هتلر باليهود. هذه مقاربة مبالغ فيها، عدديا ونوعيا. ولكنني أجد بالرغم من ذلك بعض التشابه بين الحالتين. قام النازيون بقتل اليهود اعتقادا بأن هتلر سيحل المسألة اليهودية ويمسح الأرض من اليهود. أخفقوا كليا في ذلك، فاليهود أصبحوا الآن أقوى شأنا مما كانوا عليه قبل المحرقة. كذا تصورت اسرائيل ان قتل الفلسطينيين سيحل المسألة الفلسطينية ويلغي الفلسطينيين من الحساب. هي الأخرى فشلت مثل ما فشل هتلر. وأعتقد أن هذه مقاربة عقلانية وصحيحة بين الصهيونية والنازية.

بيد أن إسرائيل قد تدعي فيما بعد بأنها ربحت بإسكات النار والصواريخ من غزة وهدأت الساحة. قد تجد ان حماس فقدت صولتها وزالت من الميدان. اذا تحقق ذلك، فلا شك انه سيكون في صفحة ارباحها. ولكنني أجد حساب الخسائر أثقل وأصعب. أولا أنها زادت من عداء العرب لها وأبعدت احتمالات السلام وتعايش الشعبين والتعامل مع الدول العربية. ثانيا سيكون لكل قتيل اولاد واخوان عازمون على الثأر. سيفقد الإسرائيليون بذلك ضحايا اكثر مما فقدوه في كل صواريخ حماس. ثالثا، فقدت إسرائيل الكثير من هيبتها وسمعتها في الخارج حتى حملت بعض الدول العربية والأجنبية على قطع العلاقات معها. حتى تركيا الصديقة لاسرائيل انقلبت عليها. رابعا، ان ذلك سيضاعف معاداة السامية عالميا ويؤثر على مكانة اليهود. خامسا، ان مجزرة غزة شقت وحدة العالم اليهودي وجعلت الكثير من اليهود المناصرين لإسرائيل ينقلبون عليها. سادسا ان قتالها مع احزاب اسلامية وسع نطاق النزاع وسيجرها الى مواجهة الإسلاميين والعالم الإسلامي برمته وليس فقط الفلسطينيين والعرب.

هناك في إسرائيل عشرات من المستشارين المتضلعين في الدين الإسلامي وتاريخ المسلمين. لا شك ان الحكومات الاسرائيلية تستهدي بآرائهم. ومع ذلك فلم يستوعب ساستهم حقا فكرة الاستشهاد عند المسلمين ومدى تأثيرها عليهم. فالمرأة التي تفقد ابنها في المعركة لا تشعر تماما انها فقدته. انه فقط انتقل من دار الى دار وسيلتحق بأخوته وأعمامه ورفاقه في الجنة. وتجلس هي في خرابتها تنتظر اليوم الذي تلحق به. كيف تقاتل قوما يحملون مثل هذا الايمان؟ وما الذي يعنيه قتل مائة أو مائتين منهم؟ لم يستوعب ساسة اسرائيل البعد النفسي والعسكري للآية الكريمة «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون». سابعا وأخيرا واكبر خطرا، عمقت اسرائيل بعمليتها، تسلح الفلسطيني بهذه الآية.

ولكن المنتصر حقا، كان الرأي العام العالمي الذي أرغمها على وقف القتال والانسحاب وأدانها بارتكاب الجرائم.

www.kishtainiat.blogspot.com