بعد عام من الانهيار.. نظام المنطقة يتعرض لضربات خطيرة

TT

بينما تقترب المواجهات الفلسطينية الاسرائيلية من حافة التصعيد الحقيقي، تلمس الولايات المتحدة تراجع التعاون معها من جانب عدد من الدولة العربية الصديقة، حتى في المجالات العسكرية. وهذا يثير اسئلة حول ما سيكون للتصعيد من عواقب على المصالح الاميركية في المنطقة. اذ تفيد تقارير الدبلوماسيين الاميركيين انه وحتى الكويتيين، المهووسين لاسباب مفهومة بالخطر العراقي، لا يريدون مناقشة اي امر هذه الايام سوى الاوضاع الفلسطينية الاسرائيلية. اما مجرد رفض ولي العهد السعودي الامير عبد الله زيارة البيت الابيض احتجاجا على السياسات الاميركية فكان كفيلا باثارة ضجة كبيرة في وسائل الاعلام العربية.

وسعيا وراء الكشف عن الرأي العام العربي بخصوص هذه القضية، اجريت استطلاعات (من خلال مؤسسة زغبي الدولية) للرأي في السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة ومصر ولبنان. وتشير نتائج هذا الاستطلاع انه حتى المسؤولين العرب ربما كانوا يستهينون بالرأي العام ازاء هذه القضية. فداخل أربع من هذه الدول على حدة، اعتبر 60 في المائة من المشاركين في الاستطلاع ان القضية الفلسطينية هي «اهم قضية منفردة» بالنسبة لهم، وعدها اكثر من 80 في المائة على انها «بين اهم ثلاث قضايا». اما في الدولة الخامسة، وهي مصر، فاعتبر 79 في المائة من المشاركين ان القضية الفلسطينية هي «القضية المنفردة الاهم». وهو ما يثير دهشة اكبر اذ ان مصر كانت الدولة العربية الاولى التي وقعت على اتفاق سلام مع اسرائيل.

فكيف يمكن تفسير هذا التصنيف المتقدم للقضية الفلسطينية عند هؤلاء؟ خلافا للتخمينات الشائعة فان القنوات الاعلامية الفضائية الجديدة، ليست هي السبب في ذلك، اذ ان نتائج الاستطلاعات كانت متقدمة حتى بين شعب لا يتابع افراده تلك المحطات، مثل مصر، لقلة اعداد المشتركين فيها.

ان القضية الفلسطينية تظل مصدر قلق في نفوس معظم العرب ازاء هويتهم، اذ ينتاب معظم هؤلاء شعور بالعار والخزي لعجزهم عن مساعدة الفلسطينيين، كما يشعرون شخصيا بالاهانة عند الاستخفاف بالفلسطينيين. اما الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الفلسطينيين فانها تستقبل وكأنها رسالة لكل العرب. ثانيا، تعاكس الرواية العربية لفشل مفاوضات كامب ديفيد واندلاع اعمال العنف الرواية الاسرائيلية تماما، فالعرب يلومون اسرائيل على ما وقع. وبينما يركز الاسرائيليون، على نحو مفهوم، على الضحايا الابرياء لعمليات التفجير الانتحارية المروعة، يركز العرب على الصور اليومية للقتلى من المدنيين العرب والمروحيات التي تهاجم الاهداف الفلسطينية وهدم بيوت الناس العاديين الذين يبدون وكأنهم ابناء عمومتهم. ولكن هل تعني هذه الآراء ان العرب على استعداد لخوض حرب لاجل القضية الفلسطينية؟ ربما لا. بدل ذلك فان الاستطلاع يعكس واقعا نفسيا مهما لا يمكن لاي حكومة عربية تجاهله، كما انه يشير الى استحالة التجاوز عن القضية الفلسطينية.

وبعد عام على انهيار قمة كامب ديفيد، يتعرض النظام الذي يقوم عليه الشرق الاوسط وتدعمه الولايات المتحدة لضربات خطيرة. ورغم ان بعض الضغوطات التي يتعرض لها هذا النظام صادرة عن التغيرات الطارئة على البيئة الدولية، خاصة زيادة نبرة التوكيد للسياسة الخارجية الروسية، فان معظمها ناتج عن انهيار عملية السلام. ولا يمكن لاي سياسة اقليمية ان تكلل بالنجاح دون بعث الحياة مجددا في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي ستحيي الامل العام من جديد.

* استاذ دراسات السلام والتنمية في جامعة ميريلاند ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»