إعصار في بكين.. خطف في صنعاء.. وشعر برتقالتي

TT

كان دريد لحام يقول، «والقبقاب» الخشبي ينقّل «غوار الطوشة» من الممشى الى الصالون في فندق «صح النوم»: «اذا اردت ان تعرف ما في البرازيل، يجب ان تعرف ما في ايطاليا». وكانت الناس، طبعا تضحك. لكن هذه الحكمة هي القاعدة التي تقوم عليها اليوم «نظرية الفوضى». فالسياسة مثل الاعصار: يبدأ غيماً في الصين ويتساقط مطراً في اندونيسيا، وقارئو نشرات الطقس في لبنان عندهم لكل سؤال جواب: فارتفاع الحرارة موجة قادمة من ليبيا، وانخفاضها صقيع آت من تركيا. ولا شيء بلديا في لبنان نفسه سوى الطقس الجميل.

ولا يمكن ان تفهم سياسة الفوضى لان طبيعتها الا تفهم. والا تعرف. لذلك مثلا، يخطف ديبلوماسي الماني في صنعاء لان قبيلة يمنية لها مطالب عند الدولة. ما هي علاقة ديبلوماسي قادم من الجمهورية الاتحادية الالمانية الى الجمهورية العربية اليمنية؟ مثل علاقة البرازيل بايطاليا. ومن يتابع اخبار السوق العالمية يرى شبها غريبا بين اسلوب مخاطبة الحكومة اليمنية عبر خطف كل من له عينان زرقاوان، وحركة البورصة في نيويورك، فعندما اعلن ان سنوات كارلوس منعم في الارجنتين افلست البلد، خطر للاسهم في «وول ستريت» ان تهبط بلا مظلة. وعندما تهاوت الاسهم في اليابان ارتفعت بورصة لندن بعد رحلة طويلة في طرق الانحدار.

والمحللون الماليون يحللون، وانا الجاهل في امور السوق وشؤون الاقتصاد واسباب الهبوط والارتفاع، ما زلت الاحق المستر «آلان غرينسبان» لكي اعرف ماذا لديه يقول قبل ان يغلب عليه النعاس. فالاقتصاد الاميركي راكد. والنمو «على الزيرو» مثل قصة الشعر في السجون. وبورصة نيويورك هابطة. والنازداك ساقطة. والشركات الكبرى تسرح عمالها بعشرات الآلاف. ومع ذلك فالدولار اقوى عملة في العالم: اكثر من اربعة اخماس عمليات الصرافة في العالم تتم بالدولار. نصف صادرات العالم بالدولار وثلثا الاحتياطي في العالم بالدولار. وكل عملة اخرى تترنح امام الدولار: من الين الذي يمثل ثاني قوة اقتصادية في العالم، الى الاورو الذي يمثل 12 دولة بينها المانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا، درة العالم الصناعي.

لقد ضُرِبَ الاورو على اساس ان يكون اعلى من الدولار بـ16 سنتا، وهو الآن اقل منه بـ29 سنتا، ومطار باريس مليء بالاميركيين كبداية السنة المدرسية لان الدولار يشتري للاميركي 7.50 فرنكا بدل ثلاثة او اربعة. والاسترليني كذلك. وهالو جيمي في كل مكان، لان الدولار طاير طاير. والمستر غرينسبان يكاد يغفو على اعوامه الثمانين وهو يخفض الفائدة فاصلة فاصلة. وكلما تحدث سعادته اصغى العالم بانتباه العدائين الى صفارة الحكم. وكلما قال شيئا ما، خسرت اسواق العالم او ربحت بفضل سعادته، مئات المليارات. والمحللون يحللون على نحو مضحك. كلهم يقولون الشيء نفسه. وكلهم يخطئون الخطأ نفسه وكلهم يخطئون دائما. والشاطر حسن هو قارئ نشرة الطقس في لبنان: اذا حرت كان الحق على ليبيا واذا صقعت كانت تركيا السبب ـ ومن حدث واضطر الى تجربة مع محام بريطاني ادرك ان الغموض صناعة تفوق الذهب. فمن مهامه الاولى الا تفهم ماذا يقول، واذا فهمت بالصدفة سارع الى طرح شيء آخر امامك. واحيانا تعتقد انك محاصر بموجة من ادعياء الشعر العربي الحديث: وظيفة كل سطر ان يزيد ما سبقه غموضا: «رأيتك يا قمري شمسا تحرق ظل الابد في ثنايا الصخور والليل مدلهم كضحى النهار فأين انت يا برتقالتي كانشقاق الاسفلت على الانترنت».

وفي قصيدة زياد رحباني عن الشعر الدعي «ليمونتي» بدل برتقالتي. وقد اراحنا بعض الادعياء باكرا عندما انتقلوا لى النثر يقصفون عظامه بثقل الدم وخفة الموهبة. لكن ما لنا ولهم، فلنعد الى الاقتصاد. انه مثل الشعر الحديث الذي يكتبه الادعياء. او اقل وضوحا بقليل.