إيران ونوايا أوباما

TT

لو أعلن الرئيس السابق جورج بوش سحب القوات الأميركية قبل انتهاء رئاسته بالحماس نفسه الذي أبداه خلفه الرئيس باراك أوباما، فإن هناك طرفا واحدا سيخرج للشوارع معلنا الانتصار، وهو إيران. فهي ستعلن أنها لقنت الأميركيين درسا لضمان عدم التلويح مجددا باستخدام القوة. لكن كون دعوة الانسحاب جاءت من أوباما، فالتفسير المقبول للجميع أن تغيرا قد طرأ على سياسات واشنطن، بالعودة للدبلوماسية التقليدية، لا الضربات الاستباقية، على طريقة بوش.

بهذه المقدمة نقول إن يد أوباما الممتدة للحوار تجاه إيران قد لا تكون إلا مثل يد الملاكم الشهير مايك تايسون، لكن بقفازات من حرير، حيث استطاع بذكاء إرباك طهران، واستعادة زمام المبادرة.

في واشنطن هناك فكرة، تجد رواجا منذ عامين، تنادي بضرورة سرعة الانسحاب من العراق، بسبب ارتفاع التكلفة المالية، وضرورة التفرغ لأفغانستان، وقبل هذا وذاك التصدي لمشروع إيران النووي.

انسحاب الأميركيين من العراق يعيد إلى واشنطن قوتها كوسيط، وحليف، وحتى عدو، والمقصود بالعداوة هنا هو إيران، فالفكرة أنه لا يمكن لواشنطن أن تقوم بدور تجاه إيران وهي مكشوفة الظهر من خلال وجودها بالعراق.

فأوباما معني اليوم بإزالة مخلفات الرئيس السابق بوش، خصوصا بؤر الصراع، والخلافات السياسية المنتشرة من الشرق الأوسط، إلى أوروبا، وأهم من ذلك كله الأوضاع الداخلية.

لكن كل ذلك لا يعني قبول إيران نووية. وحتى لو أظهر أوباما تفهما لقبول المشروع النووي الإيراني، على اعتبار أن امتلاكه قد يدفع إيران إلى اتخاذ منحى عقلاني بعد أن يرضي الملالي غرورهم، فإن أميركا ستصطدم بواقع آخر.

فالمهم في رفض أو قبول فكرة تملك إيران للسلاح النووي ليس واشنطن، بل إسرائيل، فهي التي ترى في ذلك خطرا عليها. صحيح أن إيران قد لا تستخدم سلاحها ضد تل أبيب، ولكنها ستعزز من قوة محاصرتها لإسرائيل. وهذا أمر تعيه الدول العربية جيدا، لأنها هي الضحية الحقيقية للطموح الإيراني، فإيران ليست معنية بمواجهة إسرائيل، بقدر ما أنها تريد تطويق تل أبيب على طريقة الشطرنج، فكل تمدد إيراني بالمنطقة يعني سقوط نظام عربي، واختراقا إيرانيا لدولنا. وبالتالي تكسب إيران دولا ونفوذا، أي عصفورين بحجر واحد، حيث تدعم الثورة نشر مبادئها التي بدأت تخترق دولنا فعليا، وكذلك فرض نفسها كقوة يتوجب على إسرائيل حينها أن تتنازل لها من دون أن تصطدم معها.

ومن هنا نستطيع أن نقرأ توجهات أوباما، إذ يبدو أن الرئيس الأميركي لا يراهن على قبول طهران ليده الممدودة التي تعني نهاية الحلم الإيراني بامتلاك السلاح النووي والنفوذ، بل يراهن على رفض إيران. حينها سيحظى أوباما بدعم دولي تجاه طهران، وقبل ذلك استطاع أوباما بذكاء إرباك طهران، إذ إن خطابه ساهم في أن تخفض طهران من وتيرة التصعيد بالعراق، مما يدعم فكرته بالانسحاب من بغداد.

إلى الآن يبدو أن أوباما قد حصل على ما يريد من وقت ومساحة لترتيب أوراق واشنطن من جديد، داخليا وخارجيا، والدليل حجم الارتباك البادي على الرد الإيراني على يد أوباما الممدودة.

[email protected]