كيف تفرَّس الحيوانات؟!

TT

أتذكر أنني رأيت فيلما تليفزيونيا واحدا ثلاث مرات في نيروبي عاصمة كينيا.. الفيلم له موضوع واحد «كيف تفترس الحيوانات بعضها البعض في الغابات المفتوحة». وأحداث الفيلم عادية: تشعر الطيور بأن لبؤة قادمة؛ فتطلق أصواتاً تعرفها الغزلان والأبقار؛ فتقف في حالة فزع؛ ثم تنطلق معا قطعانا كبيرة هاربة، وتكون قوة مندفعة كأنها قطار من الممكن أن يقتل أي حيوان مفترس إذا تعرض له وسقط تحت ألوف الحوافر القوية الحادة..

ولكن الوحوش لا تفعل ذلك عادة، وإنما تختطف الغزال الشارد أو الصغير، أو البقرة التي تجيء في آخر القطيع.. وانقضاض اللبؤة ـ وليس الأسد ـ عنيف قاتل. وبعد لحظات، تسقط الضحية وتجيء الأشبال تنهش، وبعدها الضباع والذئاب والطيور..

ومن عفونة اللحم تتوالد الديدان والفراشات: نوع آخر من الحياة..

ونحن ـ عادة ـ نسمى اللبؤة والضباع والشيتا والذئاب حيوانات مفترسة.. مع أنها قتلت حيوانا آخر بسبب الجوع.. وأنها تنفذ قانون الطبيعة.. فالحياة تعيش على الحياة.. وفي قلب الموت تولد حياة جديدة..

ويحرص مصور الفيلم على أن يرينا لحظات قصيرة من سقوط الضحية.. وقليلا من قطرات الدم، حتى لا يصدم مشاعر المتفرج بهذه المعركة غير المتكافئة!!

وهو موقف غريب من المصور والمخرج.. لأن أحدا لم يعد يفزع لهذه الدماء.. فالذي نفعله نحن في الحروب أبشع.. إننا نقتل الألوف كل يوم بالنار وبالجوع، وقد اعتدنا على رؤية الدماء.. ولم نعد نفرق بين الموت الحقيقي والموت التمثيلي.. فقد بلغ التمثيل درجة من الإتقان جعلنا نراه حقيقة.. وبلغ الموت الحقيقي درجة من الوحشية لم نعد نراه حقيقة.. ألا ترى أننا قد ظلمنا الوحوش؟!

وكان فيلسوف الحضارة أوزفالد اشبنجلر يقول «إن وصف الإنسان بأنه «حيوان» إهانة للحيوان»، ومعه حق!