خادم الدعوة

TT

الدكتور عبد الرحمن السميط صاحب ورئيس تحرير مجلة «الكوثر» ـ والملقب بـ«خادم الدعوة» ـ له مواقف إنسانية مشهودة، وقد ضحى بجهده ووقته وماله، مركزا على أفريقيا بالذات، دون أي ضجيج إعلامي، والحق يقال إنه قد قدم خدمة لدينه لا بمفردات الكلام، ولكن بواقع العمل.

وقد قضى في مجاهل أفريقيا سنوات طوالا فتح خلالها المدارس، وعالج المرضى، وحفر الآبار، وضرب بنفسه مثلا صادقا بحسن المعاملة، فهداهم إلى الدين دون أن يرفع عصا أو يصرخ (بميكروفون).

ويتسنى لي بين الحين والآخر الاطلاع على تلك المجلة، التي هي نافذة حقيقية على حياة ومعتقدات وعادات ومآسي البشر في تلك القارة السمراء.

وفي عدد يناير من هذه السنة، كتب الدكتور عبد الرحمن قائلا:

بينما نحن في إحدى القرى نحدث أهلها عن دين الله الحق، إذ جاءتنا امرأة من إحدى القرى المجاورة، وطلبت مني الفصل بين قومها الوثنيين في خلاف وقع بينهم حول طفل عمره ثماني سنوات توفي ولم يكن قد ختن بعد، فقال كبار السن: يجب ختنه قبل دفنه التزاما بطقوس عقيدتهم.

ولكي يحل الدكتور هذا الإشكال (العويص) بينهم، فقد انتدب أحد دعاته إلى تلك القرية، ويمضي قائلا:

ذهب مندوبنا، ووجد الخلاف بينهم قد اشتد إلى درجة كاد يتحول إلى اقتتال، فنزل المندوب بنفسه إلى القبر، وختن الطفل الميت، فهدأت النفوس الغاضبة.

وفي إحدى المرّات حاول الدكتور أن يقنع أحد الصيادين بدخول الإسلام، فقال له الصياد: إنني معجب بتعاليم دينكم وشعائره، ولكن زوجتي ما فتئت تخوّفني ليل نهار من دخول الإسلام لأنهم سوف (يختنونني)، فقلت له: إن الختان في الإسلام سنة وليس فرضا ـ بمعنى أسلم أول، وبعدين (فيها حلاّل).

والذي فهمته من كلام الدكتور أن الصياد فعلا أسلم فيما بعد، ولكنني لا أدري هل ما زال دون ختان؟!، لأنني أظن ـ والله أعلم ـ أن زوجته الجاهلة كانت تتصور أن الختان سوف يخل بفحولته.

وما دمنا في صدد هذا الموضوع (الشائك)، فلن أنسى قبل سنوات بعيدة، وكنت في تهامة اليمن، عندما قال لي مرافقي وهو من أهل المنطقة: هل تريد أن تشاهد منظرا لن تنساه طوال حياتك؟! فهززت رأسي موافقا ومتوقعا منظرا جماليا (رومانتيكيا)، وإذا به يذهب بي إلى جمع من الناس متحلقين على شكل دائرة، ووسطهم صبي صغير لا يزيد عمره على 15 سنة، وأحد الرجال جاثٍ أمامه وبيده سكين حادة يختن بها عضوه ويسلخ من حوله الجلد دون أي بنج، والصبي يلوّح بيده خنجرا بالهواء ويصيح بأعلى صوته مفتخرا بنفسه وقبيلته، دون أن يهتز أو يرف بعينه رمش، والناس من حوله يشجعونه ويهتفون له.

وكاد يغمى عليّ، خصوصا عندما شاهدت الدماء وهي تسيل على فخذيه وساقيه وتملأ الأرض من تحته.

وتخيلت لو أنني كنت مكانه ـ فيمين الله ـ لأطلقت ساقي للريح ووليت الأدبار فرارا، ولا يردني غير البحر.

[email protected]