نعم.. الصهيونية مؤسسة عنصرية

TT

لُعن إبليس لعنا أبديا لسببين. السبب الأول: أنه رد أمر ربه فأبى ان يسجد لآدم كما أمره الله. والسبب الثاني: ان ابليس هو أول من (سن العنصرية) بقوله: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» فاستمد الخيرية والتفوق، من (العنصر) المادي الذي منه تكون.. وهذا مرتكز العنصريين من البشر، سواء كانوا نازيين أو فاشيين أو صهيونيين. فهتلر استمد الخيرية على سائر البشر من (العنصر الآري). والصهيونية تستمد هذه الخيرية ـ المزعومة ـ على سائر الناس من (العنصر السامي) ـ هذا اذا صحت نسبتهم الى سام بن نوح ـ.

ولأن العنصرية هي مذهب ابليس، فقد نقض منهج الاسلام هذا المذهب ـ في تطبيقاته الابليسية والبشرية ـ نقضا تاما من الناحيتين: العلمية والتطبيقية.. فمن حيث العلم: نقرأ في القرآن:

أ ـ «ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون» فالبشر أجمعون مخلوقون من تراب.. ولم يثبت علميا ان قبيلا من الناس خلق من غير التراب!.

ب ـ «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم».. فهذه الآية تقرر: ان الناس ـ جميع الناس ـ ينتسبون الى أب واحد هو آدم، وإلى أم واحدة هي حواء.. وأن المحافظة على الانساب مطلوبة وذلك لحكم كثيرة منها: حكمة التعارف بين أمم الأرض.. وان التفاضل الحقيقي بين البشر لا يستمد من (العنصرية)، وانما يستمد من العلاقة الصحيحة والوثقى بالله جل ثناؤه: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» هذا هو معيار الخيرية الكسبية العادلة، وهو معيار متاح للجميع، اذ لا ينبغي ان يحتكره أحد، ولا يستطيع ان يحتكره أحد.. ومن الاتباع لهذا المعنى: الاستشهاد بآية: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية» والإىمان الحق متاح لكل أحد. والعمل الصالح مجال مفتوح لكل إنسان. سواء كان هذا الانسان من أبناء يافث، أو أبناء حام، أو أبناء سام.

ونقرأ في السنة، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب. لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».. فالفضل والتفوق لا يستندان ـ ها هنا ـ إلى العنصر واللون، بل يستندان الى عمل ارادي ذاتي وهو: رقي الصلة بالله.. والحديث شرح مفصل للآيات السابقات.

ومن حيث التطبيق، فقد سارع الاسلام ـ وفي الطور المكي المبكر ـ الى المساواة بين العرب وبين الافارقة والفرس، اذ انتظم الموكب الأول للإسلام: بلالا الحبشي، وسلمان الفارسي، كما انتظم أبا بكر، وعمر وغيرهما من العناصر العربية.

حقيقة: إن العنصرية شر رجيم مركب. فهي ادعاء باطل ـ بكل مقياس ـ للفضل والخيرية، وهي استبداد على العناصر البشرية الأخرى التي يرى العنصريون انها أدنى منهم منزلة، بحكم الأصل والنشأة والعنصر المتميز!! وهي ركيزة لمظالم اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية ملأت تاريخ البشرية وحاضرها بالبلايا والازمات والكوارث.

لذلك كله، نحتفي ـ بادئ ذي بدء ـ بعقد مؤتمر دولي (حول العنصرية) في مدينة (دربان) بجنوب افريقيا، في آخر أغسطس الجاري، وسيستمر اسبوعاً.

إن عالمنا هذا قد ازدان وتألق باشياء واضواء كثيرة، بيد ان مخازي عديدة قبّحت شكله ومضمونه.. و(العنصرية) من أقبح هذه المخازي. ومن هنا، فإن انعقاد (الاجماع الدولي) على تطهير العالم من العنصرية، مؤشر موضوعي تقدمي يشير الى حياة في (الضمير الانساني).

ولا ينبغي ان يكون هذا المؤتمر (منبرا) تبث من خلاله دعاوى كاذبة، بمعنى ان الكل يدعي بأنه غير عنصري. ذلك ان انعقاد المؤتمر نفسه دليل على ان هناك عنصرية، وانها يجب ان تواجه وتعالج، وفي غيبة الاعتراف بهذه الحقيقة يفقد المؤتمر شرعية وجوده، أي انه لن يكون ثمة مسوغ قط لانعقاده.

ومن المؤسف: ان تخريب المؤتمر قد مورس قبل انعقاده وهو تخريب بدأ بنفي العنصرية عن أشد الناس ايغالا في العنصرية: فكرا وتطبيقا، وهم الصهيونيون، وقد سايرهم في ذلك: الولايات المتحدة، وكوفي عنان.. وهؤلاء النافون عن الصهيونية صفة العنصرية يجب ان يكون واضحا لديهم ـ قانونيا وانسانيا واخلاقيا ـ انهم يتحملون قسطا كبيرا من مسؤولية جرائم الصهيونية: أمس واليوم وغداً.

ان نفي العنصرية أو اثباتها يتعين ان يكونا نتيجة البحث والدراسة الموضوعيين الأمينين، ولما كان المؤتمر لم ينعقد فإن النفي يصدر عن الهوى، وعن الانحياز المسبق، بل عن التستر المسبق على العنصريين.

ولنتصور أنفسنا في المؤتمر، ولنطرح هذا السؤال: هل الصهيونية منظمة عنصرية؟

إن الجواب بنعم، بلا دليل، ظلم سافر وافتراء محض.. أما الجواب بنعم، وفق دليل وبرهان فهو جواب حق وعدل بيقين.

وهذه هي عناصر الجواب:

1 ـ ان شعار (اللاسامية) أو معاداة السامية، هو نفسه شعار عنصري، اذ هو شعار يتعامل مع البشر كافة على أساس عرقي عنصري، محبة وكراهية، مسايرة أو مفارقة، مسالمة أو محاربة. ولنتصور: كيف يكون حال العالم، لو أن شؤونه دارت وفق هذا المفهوم، حيث ترفع شعارات: اللاهندية، واللاعربية، واللازنجية، واللافارسية، واللاصينية.. أو اللابيضاء، واللاسوداء واللاحمراء، واللاسمراء، واللاصفراء.

2 ـ و(الهلوكوست) طرح فكري وسياسي واعلامي معجون في العنصرية. فمن الحقائق التاريخية والعسكرية الثابتة: ان هتلر أباد جماعات بشرية كثيرة، وان ضحايا النازية يعدون بعشرات الملايين. ومع ذلك، فإن الصهيونية تحصر جرائم النازي في محرقة اليهود فحسب. وكأن الذين اضطهدهم هتلر وأبادهم من (الأغيار) ـ أي غير اليهود ـ ليسوا بآدميين؟.. ان النظرة الانسانية السوية تقضي بأن يكون الضحايا جميعا في نظر العدالة سواء. أما النظرة العنصرية فهي التي تفرق بين جنس وآخر في الاوجاع والآلام والمآسي والموت.

3 ـ يقول (اسرائيل شاحاك) ـ وهو يهودي ـ في كتابه: الديانة اليهودية وتاريخ اليهود، وطأة 3000 عام ـ: «يحظر التلمود على اليهودي حظراً متشددا، وتحت طائلة العقاب الشديد: تقاضي فائدة على قرض يعطى ليهودي آخر، في حين ان الواجب الديني يفرض تقاضي فائدة عالية الى أقصى حد ممكن على قرض يعطى لغير يهودي».. وهذا موقف عنصري في التفريق في التعامل بين الناس. فالمحرم بين اليهود يصير حلالا بل واجبا مع الاغيار! ومن المقطوع به ان هذه النظرة العنصرية دخيلة على التوراة التي أنزلت على موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشريعة الله الحقة مبرأة من العنصرية بحكم مصدرها وهو الله ـ جل شأنه ـ الذي يقيم العدل بين عباده بكف النظر عن نوع علاقتهم به.

4 ـ ويقول (نعوم تشومسكي) ـ وهو يهودي في كتابه: تواريخ الانشقاق ـ : «وبشكل طبيعي، فإن المجتمع اليهودي الأوروبي قد شارك في مثل هذه المواقف العنصرية. والأمر الذي لا يمكن التغلب عليه هو: العنصرية أو التمييز العنصري ضد العرب، لأن ذلك يتطلب اخضاع شعب مهزوم ومحتل مما يؤدي الى حدوث العنصرية أو التمييز العنصري».

5 ـ وهذه آراء وفلسفات صهيونية طافحة بالعنصرية.. يقول «ديفيد جي جيل»: «ان على الشعب اليهودي ان يتغلب على الخلايا العنصرية داخل الصهيونية السياسية، وداخل دولة اسرائيل، لأن وجود هذه الخلايا يعتبر متناقضا كل التناقض للمعنى الحقيقي لصهيون، فضلا عن أنه يهدد الوجود الفعلي والثقافي لليهود».. «فإذا سلمنا بأن الهدف من كل وجود انما هو ظهور الانسان المثالي المتفوق، فمن الطبيعي ان يسلم الانسان بحقيقة وجود درجات كثيرة في سُلم الخليقة مبررا بظهور الكائن غير العضوي. فالنباتات والحيوانات والمخلوقات القادرة على النطق يتقدمها جميعا الجنس اليهودي».. (احاد ها عام).. «فلسطين يجب ان تكون لليهود، وان انتهاج اساليب مناسبة موجهة نحو خلق دولة يهودية ذات شعب نقي الاصل والعرق ينبغي ان يكون دائما أمرا ضرويا ومهما».. (فلاديمير جابوتنسكي).. «ان الاسرائيليين شعب فريد يختلف عن بقية الشعوب الأخرى فهو الشعب الوحيد في العالم الذي يعتبر شعبا، وفي الوقت نفسه مجتمعا دينيا».. (مارتن بوير).

وهذه العنصرية الصهيونية الفكرية، مؤيدة بتطبيقات عملية تمثلت في وقائع وصور شتى منها: خطط ابادة الشعب الفلسطيني بالوسائل كافة: بتدمير البيوت، واتلاف المزارع، والقتل، والاغتيال الجماعي، والتجويع، والحرمان من مقومات الحياة.. وهذه كلها جرائم عنصرية، وفق منطوق الاتفاقية الدولية الخاصة بابادة الاجناس البشرية. اذ نصت هذه الاتفاقية في مادتها الثانية على ان الابادة البشرية تعني: اياً من الأفعال الآتية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه.. والافعال المحرمة هي: قتل اعضاء من الجماعة.. والحاق أذى جسدي أو روحي خطير باعضاء الجماعة.. واخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.

إن مؤتمر مناهضة العنصرية الذي اقترب موعده، فرصة سياسية واعلامية نادرة بين يدي العرب، فرصة لفتح الملف الصهيوني العنصري كله، في جانبيه: الفكري والتطبيقي.. واذا لم يقف العرب موقفا حقا وذكيا وصلبا من العنصرية الصهيونية ومن مظالمها، فإن باطن الأرض خير لهم من ظاهرها، ويجب عليهم ان يسألوا انفسهم: ما معنى بقائنا وحياتنا اذا نحن فرّطنا في الحدود الدنيا من الكفاح السلمي مثل مقاطعة الكيان الصهيوني المحارب، وتعريف العالم بجرائم العنصرية الصهيونية؟ ـ ولسنا نرى سببا للاحجام عن هذا الحد الأدنى من الكفاح السلمي الواجب الا الربط الواجف بين الحفاظ على (الكراسي) وبين ممالأة الصهيونية، ولكن ليعلم هذا النفر من العرب: ان مسايرة المخططات الصهيونية لم تطل عمرا ولن تحفظ كرسيا.. فقد أقام شاه ايران علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني فما أغنى عنه ذلك شيئا.. واستدعى بشير الجميل القوات الصهيونية لاحتلال بيروت فقُتل.. وسن السادات سنة المعاهدات الشاملة مع الكيان الصهيوني فقُتل.. وأنشأ وصفي التل علاقات سرية مع العدو فقُتل.. وأبرم جعفر نميري صفقة يهود الفلاشا مع المؤسسة الصهيونية فطاح.. ويُستنبط من هذا: ان من يساير الظالم يكتوي بناره: «ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون».