بعد عاصفة التعيينات: التعليم ثم التعليم

TT

الذي يهمني كثيرا التعليق عليه في وسط عاصفة التغييرات الإيجابية في المملكة العربية السعودية التي شملت بالتعيين والإعفاء أكثر من مائة وخمسين منصبا على كل المستويات هو التعليق على موقع واحد فقط، التعليم. وهذا لا يقلل من أهمية الحديث عن القضاء والإعلام وبقية المواقع الحساسة، لكن الملف الأول لدولة مثل السعودية، وكل الدول العربية، يجب أن يكون التعليم، فهو العلة وفيه الدواء.

وكل من عايش خطط التنمية الماضية والحاضرة، يعرف جيدا أن التعليم لم يحقق المطلوب منه رغم الإنفاق الحكومي الهائل، والمشاريع الضخمة لبناء المدارس والمعاهد والجامعات، كلها لم تحل إشكالات الداخل المتمثلة في البطالة، وضعف الإنتاجية للفرد والمؤسسة. فالتعليم يعني التطور الحقيقي وليست الجسور والسدود وناطحات السحب والطائرات والسيارات، فهذه كلها زائلة بزوال مداخيل النفط إن لم يرافقها تطور نوعي في إمكانيات الإنسان. كل الدول المتفوقة تتميز بتعليم نوعي راق، وكل الدول الأخرى تعاني من تعليم رديء. وليس سرا الاعتراف بأن السعودية هي الأخرى تعاني أولا وثانيا وثالثا من مشكلة تعليمية على الرغم من نجاحاتها الصناعية والخدماتية. مشكلة التعليم في الاستراتيجية العريضة، والتفاصيل الصغيرة من حيث المعلمين والمناهج والخدمات. وطالما أن التعليم أخذ الكثير من الاهتمام في الخطاب الرسمي والمشاريع والأموال وبالأمس أدرج ضمن التعيينات النوعية، بنقل الأمير فيصل بن عبد الله من المؤسسة الاستخباراتية وتعيينه وزيرا للتعليم والتربية، فإن السؤال يطرح نفسه بإلحاح شديد، هل نحن بصدد التحول النوعي؟

أعتقد أن الحكومة محتاجة إلى إصلاح التعليم حتى لو اضطرت إلى الاستدانة، وهي لن تضطر. عليها أن تجعل التعليم الموضوع الأول وتحت المتابعة والمساندة الدائمة؛ لأنه الطريق الوحيد، بالفعل الطريق الوحيد، لتطوير البلاد. فإن أرادت السعودية أن تكون دولة ناهضة وناجحة وقوية فإن خيارها تطوير التعليم كما ونوعا.

فالمشكلة في معظمها نوعية، ففي زيارة تفقدية قام بها العاهل السعودي إلى أحد المشاريع الطبية قبل أسبوع، كان يستمع إلى المسؤولين الذين كانوا بفخر يشرحون له ضخامة المستشفى. سألهم الملك، هذا كله أمر جيد لكن أين هم الأطباء؟ وأجابه المسؤول سريعا لدينا الأطباء. الحقيقة أن الإجابة لم تكن ما كان يعنيه الملك، فهو يرى بأم عينيه أن بناء مستشفى أمر جيد، لكن بناء الإنسان أمر أكثر صعوبة وبالطبع هو الأهم، فالمستشفى مكتظ بكفاءات طبية مجلوبة من الخارج، وهذه مشكلة المجتمع السعودي وكل الدول العربية. ففي السعودية أقل من 15 في المائة فقط من العاملين من الأطباء سعوديون، لهذا سأله أين هم الأطباء؟ التعليم بشقيه العام والجامعي مسؤول عن التقصير، ومسؤول عن الضعف العام، ومسؤول عن البطالة، ومسؤول عن كل علة نراها. ولا يوجد مبرر لبلد بمخصصات هائلة تنفقها حكومة كالسعودية للحصول على النتيجة الرديئة المستمرة حتى هذا اليوم. من هنا نعتقد أنه في مناسبة التغييرات الشاملة التي أذيعت قبل يومين في السعودية أن نقول رأينا، إننا قد لا نبالي كثيرا عندما تعجز وزارة المواصلات أو الاقتصاد أو الزراعة أو غيرها من المؤسسات الحكومية المهمة للمجتمع، لكن من الصعب أن يغض النظر عن ضعف أداء التعليم، لأن النتيجة كارثية وطويلة الأمد. لهذا نبارك للوزير الجديد متمنين له التوفيق في حمل أصعب الحقائب وأهمها على الإطلاق.

[email protected]