أي شخص آخر ما عدا كرزاي

TT

كانت المقالة الرئيسة التي طالعتنا بها مجلة الـ«نيوزويك»، التي جاءت تحت عنوان «فيتنام أوباما»، مليئة بالتشبيه المبتذل، إذ لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الحرب في أفغانستان ستكون فيتنام أخرى، كما زعم البعض من قبل بأن الحرب في العراق ستكون فيتنام جديدة. غير أن محرري «نيوزويك» ربما يكونون قد قاموا بأمر صائب عندما تناولوا واحدة من أفدح الأخطاء التي قامت بها الولايات المتحدة في فيتنام، عندما ساندت الإطاحة برئيس فيتنام الجنوبية نيو دين ديم عام 1963، واعتقد الرئيس جون كيندي ومساعدوه آنذاك أن ديم مثير للشقاق وزعيم غير كفء، وخشوا من عدم نجاح الحرب وهو في السلطة، غير أنه اتضح فيما بعد أن الرئيس الذي خلف ديم كان أكثر سوءا، وأن الإطاحة به خلقت فترة من عدم الاستقرار أعاقت الجهود الأميركية.

لكن ما وجه الصلة بين ما حدث وما يجري الآن؟ السبب في ذلك أن كبار المسؤولين في الولايات المتحدة يلقون باللائمة في معاناتنا في أفغانستان على الرئيس حميد كرزاي. وقد كان ذلك التوجه واضحا في فبراير (شباط) الماضي لدى خروج جو بيدن ـ السيناتور بمجلس الشيوخ حينئذ ـ من عشاء مع الرئيس الأفغاني في كابل، وظهر جليا أمس، عندما أدان مدير الاستخبارات الوطنية الجديد دنيس بلير، «عدم قدرة كابل على بناء مؤسسات فاعلة موالية للدولة وأمينة». وكذلك في إشارة الكثير والكثير من مسؤولي الإدارة إلى رغبتهم باستبدال الرئيس كرزاي. تعود بي تلك الأحاديث إلى يناير (كانون ثاني) من عام 2008 عندما قمت بزيارة العراق، حيث كانت كل المناقشات التي سمعتها من السياسيين العراقيين والمسؤولين الأميركيين حول ما إذا كانت ستتم الإطاحة بنوري المالكي من عدمه، فقد كان هناك إجماع على ضعف شخصية المالكي كقائد وإذكائه للفتنة الطائفية، واهتمامه بتلبية مطالب «أسياده الإيرانيين» أكثر من شعبه العراقي، وكان الاختلاف الوحيد حول الشخصية التي يمكن أن تخلفه، وقصور الأحزاب السياسية في الاتفاق على خلف له هو ما حماه من الإطاحة به.

وفي أعقاب أشهر قلائل، خالف المالكي كل التوقعات، فقام بإرسال الجيش العراقي إلى البصرة لتولي أمر المسلحين الذين يقودهم مقتدى الصدر، الذي يفترض أنه يدين بالفضل له على نجاحه في الانتخابات، وقد شجع نجاح تلك الحملة المالكي على إخلاء ضاحية شرق بغداد التي تعرف بمدينة الصدر من المقاتلين. وبتلك الأفعال أزاح المالكي عن نفسه الانطباع بالضعف، وازدادت شعبية جديدة بين العراقيين الذين أظهروا المزيد من التأييد له ولحزبه في الانتخابات المحلية الأخيرة. لكن مصدر القلق الآن هو الخشية من ازدياد قوة المالكي.

ما الذي طرأ على سلوك المالكي؟ من المحتمل أن المالكي تصرف بناء على تغير الظروف التي أحدثتها «زيادة» عدد القوات الأميركية، وهي الاستراتيجية التي طورها الجنرال ديفيد بترايوس، والتي عملت على استخدام التعزيزات لاستهداف «القاعدة» في العراق أولا، لأنه كان يعلم أن تلك المجموعة من المتطرفين المتشددين كانت المغذي الأول للعنف في العراق، وقد كان هذا التهديد الذي أحدثته «القاعدة» هو المبرر لأعمال القتل التي قام بها جيش المهدي، الذي زعم أنه يقوم بحماية الشيعة. استنتج بترايوس أن انخفاض عدد الإرهابيين السنة في العراق عمل على خفض دعم الشيعة للصدريين، وهو بالضبط ما حدث، فمع هزيمة «القاعدة» في العراق، شعر المالكي بالحرية في التحرك ضد جيش المهدي.

وبعبارة أخرى، بدا المالكي ضعيفا عندما كانت الأوضاع في العراق سيئة جدا، وما كان لأي زعيم آخر أن يمارس سلطاته في ظلها. وقد أدت التطورات الأمنية إلى تحسن في السيطرة على مقاليد الأمور.

ما من سبب في إمكانية نجاح تلك الديناميكية في أفغانستان، فقد كان ينظر إلى كرزاي منذ وقت ليس بالبعيد على أنه قائد نموذجي، وتذكروا عندما أبدى الكثيرون تشاؤمهم من مستقبل العراق لأنه لا يمتلك قائدا في وزن كرزاي. ربما تكون الإشادات الأولية مبالغا فيها، لكن كرزاي كان شخصية فاعلة في الفترة بين عامي 2003 و2005، في الوقت الذي كانت فيه طالبان تحاول تضميد جراحها، وكانت الأوضاع الأمنية جيدة، الأمر الذي ساعد زلماي خليل زاد، السفير الأميركي في أفغانستان، والذي كان مقربا من كرزاي، لكنه في الوقت ذاته قاسيا تجاهه، على دفع كرزاي لمحاربة الفساد وتحسين الإدارة الإقليمية. وبعد رحيل خليل زاد تحولت السياسة الأميركية، وبدأت طالبان في العودة إلى مسرح الأحداث مرة أخرى. يعيب كرزاي العديد من أوجه القصور، خاصة عدم قدرته، أو بالأحرى عدم رغبته في محاربة الفساد وتجارة المخدرات التي يتورط بها أخوه، لكن هل هناك سبب يدعو للاعتقاد بأن من يحل محله سوف يكون أكثر كفاءة؟ ويترقب المسؤولون الأميركيون الانتخابات التي تقرر إجراؤها في أغسطس (آب) القادم باهتمام بالغ، إذ من المحتمل أن تفرز مرشحين محتملين لخلافة كرزاي مثل وزير المالية الأسبق أشرف غاني، ووزير الخارجية عبد الله. حقا، قد يكون هؤلاء الأشخاص مؤهلين، لكن بالنظر إلى ما حدث في العراق، عندما نظر المسؤولون الأميركيون إلى إياد علاوي على أنه منقذ العراق، ثم استقروا بعد ذلك على إبراهيم الجعفري لإقصاء علاوي، إلى أن انتهوا إلى المالكي الذي ازدادت شعبيته، يبدو أن السجل الأميركي في اختيار القادة في الدول الأجنبية مشوشا إلى حد ما.

لذا، فبدلا من الهوس بأخطاء كرزاي، ربما يجب علينا التركيز على المشكلة الحقيقية، ألا وهي فقْد الأمن، ولا يمكن لجهود تحسين الأمن أن تظل حبيسة جهود تطوير الحكم، وكما حدث في العراق فإن الحل في أفغانستان يجب أن يأتي عبر إرسال تعزيزات لتطبيق استراتيجية مكافحة الإرهاب التي تركز على حماية الأفراد. وعندما يتحسن الوضع الأمني في أفغانستان سيتمكن الرئيس، كائنا من كان حينئذ، من العمل بفعالية.

* خدمة: «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»