ما الأفضل للعرب: تقارب واشنطن وتل أبيب أم تباعدهما؟!

TT

ماذا يجري بين دمشق وواشنطن؟ ولماذا اتهم وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد سوريا بتطوير اسلحة جرثومية؟ وهل يعكس رأيه موقف الادارة الاميركية، ام انه مجرد تعبير عن نزعته الشخصية المتشددة حيال سوريا والعراق وايران؟

ايا تكن الدوافع التي املت على وزير الدفاع الاميركي ان يقول ما قاله، وان يصنف سوريا من بين «الدول العاصية» على الولايات المتحدة، فإن العلاقة بين واشنطن ودمشق تمر في هذه الايام بمرحلة رمادية يصعب توصيفها: فلا هي جيدة ولا هي سيئة، ولا ودية ولا عدائية، ولا مقطوعة ولا متواصلة.

في ظل الحرب الباردة كان شغل واشنطن الشاغل ألا تدفع بدمشق الى احضان الاتحاد السوفياتي، فكانت تراعيها من دون ان تعينها. اما في ظل الاحادية الاميركية فالتساؤلات مفتوحة على مصراعيها حول ماذا تريد واشنطن من دمشق؟ وماذا تريد دمشق من واشنطن؟

لا أحد يعرف بالتحديد ماهية مطالب الادارة الاميركية من الحكم السوري في الوقت الراهن. ولكن الحكم السوري يريد من واشنطن ان ترعى بنزاهة إحياء عملية السلام في الشرق الاوسط. وقد جاء هذا الموقف على لسان الرئيس بشار الاسد من دون اي لبس او ابهام، لكن واشنطن غير مهتمة بهذه العملية وتعكف على ترتيب هدنة في فلسطين، واشاعة الهدوء على الجبهة اللبنانية، بقصد الانصراف كليا الى احتواء العراق، ولا فرق ان تم هذا الاحتواء بالطرق الديبلوماسية ام بالطرق العسكرية! في المقابل سوريا غير مهتمة بترتيب هدنة في فلسطين بقدر ما هي مهتمة بالاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وهي غير مهتمة بتوفير الامن على حدود اسرائيل مع لبنان بقدر ما هي مهتمة بأن يستعيد لبنان مزارع شبعا والاسرى اللبنانيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية. وسوريا غير مهتمة اخيرا بنظريات الامن الاسرائيلي بقدر ما هي مهتمة بالعودة الى خط الخامس من حزيران (يونيو) من عام 1967في مرتفعات الجولان واسترداد حقوقها المشروعة كاملة غير منقوصة وفق قرارات الشرعية الدولية.

اولويات سوريا تختلف عن اولويات اسرائيل والولايات المتحدة في آن. اسرائيل تريد فرض نظريات الامن. والولايات المتحدة تريد احتواء العراق. وسوريا تريد استعادة حقوقها والحقوق العربية في لبنان وفلسطين، والكل يجهد لتحقيق اولوياته على حساب اولوية الآخرين، لكن عامل الوقت يعمل لصالح دمشق اكثر مما يعمل لصالح واشنطن وتل ابيب.

عشرة اشهر مضت على «انتفاضة الاقصى» ولم يفلح ارييل شارون، ومن قبله ايهود باراك، في احتواء هذا الانتفاضة، بل على العكس، فهي ازدادت مناعة وشراسة وتكاد ان تغرق سفينة ارييل شارون التي بدأت الثقوب تظهر في العديد من جوانبها.

وتشير الصحافة الاسرائيلية الى ان ارييل شارون لا يزال رئيسا مقبولا للحكومة، غير انه برز في وجهه زعيم آخر قوي في حزب الليكود هو بنيامين نتنياهو. فأعضاء حزب الليكود يعارضون سياسة ضبط النفس التي يمارسها ارييل شارون ويريدون منه ان يشن حربا على الفلسطينيين، انتفاضة وسلطة، وألا يخضع لمشيئة شمعون بيريز. جمهور الليكود يريد الحرب، وارييل شارون يكتفي بدق طبولها.

اما واشنطن التي منحت ارييل شارون مباركتها لخطة المائة يوم فقد وقفت الى جانبه ضد مشروع ارسال مراقبين دوليين الى فلسطين، لكنها اضطرت الى تبديل موقفها بعدما فشلت في اقرار مشروع «العقوبات الذكية» ضد العراق في مجلس الامن. وقد اتهم ارييل شارون الادارة الاميركية بطريقة غير مباشرة بأنها تضحي بمصلحة اسرائيل مقابل تمرير سياستها ضد العراق.

وحدها دمشق تدرك ان عامل الوقت يعمل لصالحها. فخطة المائة يوم التي حددها ارييل شارون لوأد الانتفاضة انقضت من دون ان يحقق نتيجة ملموسة سوى تصعيد دورة العنف مع الفلسطينيين. وخطة واشنطن لتمرير مشروع «العقوبات الذكية» ضد العراق تصطدم بشتى العراقيل في مجلس الامن وهي على موعد جديد في الثالث من كانون الاول (ديسمبر) المقبل ولا شيء يضمن نجاحها. وشد الحبال مفتوح بين ادارة جورج بوش وحكومة ارييل شارون على من هو الاقوى لفرض اولوياته على الآخر.

وفي انتظار معرفة نتيجة شد الحبال الاميركي ـ الاسرائيلي تعمل سوريا بهدوء وتأن للحصول على مقعد لها في مجلس الامن الدولي في العام المقبل، وهي تلتزم جانب الحيطة والحذر من انعكاسات الكباش الاقليمي، وتترقب الامور كي لا تدفع ثمن صراع الآخرين من حسابها.

ولا تستبعد دمشق ان تحل الادارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية تضارب مصالحهما على حساب سوريا فتعملان سوية على منعها من احتلال مقعد في مجلس الامن الدولي. وتتحين تل ابيب الفرصة المؤاتية لتوجيه ضربة عسكرية قوية لها بهدف اضعاف نفوذها واحتواء الانتفاضة الفلسطينية وكسر شوكة «حزب الله» دفعة واحدة.

ويلح سؤال لا مفر من طرحه وهو: ما الافضل للعرب: ان تتلاقى المصالح الاميركية ـ الاسرائيلية ام ان تتباعد؟

ولمجرد طرح مثل هذا السؤال يظهر مدى هشاشة الموقف العربي الذي ما عاد يقدر ان يميز بين ما هو صالح له وما هو مضر به، وكأننا ما عدنا نعرف ما اذا كان التلاقي ام التباعد بين واشنطن وتل ابيب افيد لنا ولماذا؟

هذه الحيرة تدلنا على عجز في السياسة العربية مفضوح، فلا العرب قادرون على مواجهة اي اتفاق بين الولايات المتحدة واسرائيل، ولا الإفادة من اي خلاف بينهما. ويبدو العجز العربي في افظع حلله وحالاته.

ومن حسن الطالع ان يقف العجز العربي عند حدود التفاهم اللبناني ـ السوري المرشح لان يتوسع فيشمل الفلسطينيين. على هذا التفاهم يمكن بناء استراتيجية عربية جديدة قادرة على مواجهة واشنطن وتل ابيب اذا اتفقتا، والافادة من تباعدهما اذا اختلفتا.

وفي رأيي ان مرد العجز العربي هو العقل العربي اكثر مما هو القوة العسكرية العربية كما يسود الاعتقاد. ففي دراسة لميزان القوى العسكرية في الشرق الاوسط صدرت مؤخرا عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن رأى المفكر الاستراتيجي انتوني كوردسمان ان التفوق الاسرائيلي لم يعد قادرا على صد هجوم عربي شامل، وان السعودية باتت تملك احدث جيش عربي، وان ايران تدخل قريبا النادي النووي.

العقل هو مصدر القوة. فلنوقظ عقولنا لنفجر قدراتنا فننهض، والنهضة هي القوة التي لا تقهر.