مذكرة البشير.. إذا صدرت

TT

من ناحية، ليس أسوأ على عربي من أن يرى رئيسا لدولة، صغيرة أم كبيرة، مثل السودان، تصدر في حقه مذكرة توقيف، ويكون بذلك أول رئيس يعامل بهذه الطريقة وهو في الحكم. فالذين أحيلوا من قبل إلى لاهاي، كانوا جميعا رؤساء سابقين. فالإهانة الدولية الفاقعة هنا، ليست للماريشال البشير الذي استخدم في الرد على الإجراء لغة أسوأ من الإجراء، بل هي ـ بكل بساطة ـ للسودان.

وقد كنت من أوائل الصحافيين العرب الذين استنكروا مجازر دارفور، وطبعا لا أزال. ودور الحكومة السودانية واضح، إن لم يكن في الارتكاب ففي المسؤولية الكبرى. ولا يستطيع رئيس دولة أن يغسل يديه من مقتل 300 ألف بشري وتشريد نحو ثلاثة ملايين. فإذا لم يكن هو المسؤول، على الأقل لا بد انه يعرف من ألحق بوحدة السودان هذا الجرح البالغ العمق. فما أن هدأت مشاعر الانفصال في الجنوب حتى أخذ أهل دارفور يتذكرون أنهم كانوا ذات يوم سلطنة مستقلة وليست مزرعة تفلح في جسدها قوة مارقة تدعى الجنجويد.

ليست هناك وسيلة لتسليم المذكرة إلى البشير، ولا إلى اعتقاله. لكن صدورها يعني أن السودان دخل في متاهة جديدة من العقوبات والحصارات والعزل والنكد. والذين دعموا الخرطوم حتى الآن، لا فعالية لدعمهم حيال القانون الدولي، أي منظمة الوحدة الأفريقية من جهة، والتظاهرات الداخلية من جهة أخرى. وهناك أفريقي آخر هو تشارلز تايلور موجود في السجن في انتظار المحاكمة، لم ينفعه كل ما جمع من ماس وكل من قتل في عملية الجمع، تحت شعار الوطنية وشعارات أخرى أكلها العفن في الأدراج.

البشير ليس تشارلز تايلور والسودان ليس ليبيريا. نحن أمام رئيس دولة افريقية عربية إسلامية، جميع التهم الموجهة إليه سياسية، على قساوتها. فالقتل الجماعي ليس قضية داخلية في نظر القانون. وإذ يرفع متظاهرو السودان يافطة تقول «لن تحكمنا السي. آي. إيه» مكتوبة بخط مهني، وبالأحرف اللاتينية، واضح أن البشير يرى أن أميركا هي المحرك الأول للمسألة في مجلس الأمن. ولذلك تبقى المسألة الحقيقية ما كانت عليه في اللحظة الأولى: ليس كيف يحل البشير موضوعه الشخصي، بل كيف تحل مأساة دارفور.