وأخيرا جاء السيد المبتسم..

TT

وأخيرا تغلب السيد المبتسم على تردّده وعلى قلق وخوف أسرته وأعلن ترشيحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو (حزيران) المقبل، وذلك في مكتب مجمع رجال الدين المناضلين، أقرب مكان إلى قلب خاتمي. ومنذ أكثر من ثلاثة شهور، كان مجيء أو عدم مجيء خاتمي إلى حلبة المباراة الرئاسية مصدر ارتياح وقلق أنصاره من جهة، والتيار الأصولي المنافس له، وفوق كل منهما أوساط المرشد، من جهة أخرى.

وما من شك بأن خاتمي لم يكن هو نفسه يرغب في اختبار حظه مرة أخرى أمام الرجل الذي يعارضه نصا وروحا. إن الجو الكئيب والثقيل الذي يسود البلاد والحضور الملموس للعسكر والمؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للولي الفقيه في مختلف ساحات الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية واستحالة حصول تغيير جذري في تركيبة الحكم والتقليل من سلطة رأس النظام، وأجهزته كانت كلها من العوامل التي قضت على آمال خاتمي الأولية للترشيح في الانتخابات.

والرجل الذي جاء إلى القصر الرئاسي في مايو (أيار) 1997 على أكتاف شعبه، وفي احتفال جماعي حضره، ليس المواطنون داخل البلاد فحسب، بل الملايين من الإيرانيين المغتربين واللاجئين والمنفيين، غير أن يوم مغادرته القصر الرئاسي حمل معه عتاب الطلبة والشبان الذين علقوا آمالهم على ابتسامته، والوعود التي لم يطلقها هو، بل حاشيته ممن كانوا أكثر اهتماما بكراسيهم، وليس الناخبين الذين أوصلتهم أصواتهم إلى تلك الكراسي، كما حمل خاتمي معه حسرة مواطنيه وغضب بعضهم. ونظرا لتجربته المريرة مع «السلطة» أو كما سماها الكاتب الإيراني المعروف سعيدي سيرجاني الذي اغتيل في سجن ايفين «سلطة خانم»، فقد كان خاتمي حذرا في تعاطيه مع الأصوات الداعية إلى ترشيح نفسه في الانتخابات، وبدلا من أن يتقدم بنفسه نحو صناديق الاقتراع، حاول بشتى الطرق والوسائل، إقناع صديقه ورئيس وزرائه، حينما كان وزيرا للإرشاد والثقافة، مير حسين موسوي، بترشيح نفسه في الانتخابات.

إن ما يجب ذكره حول موسوي، أنه رغم نزاهته وابتعاده عن مراكز القرار خلال العشرين عاما الماضية، أي منذ إلغاء منصب رئيس الوزراء في الأسابيع الأخيرة لحياة الإمام الخميني، وقضاء وقته في رسم لوحاته عن الطبيعة، فإنه يعاني من مشكلتين، الأولى انعدام الثقة بينه وبين المرشد، ويعود ذلك إلى فترة رئاسة آية الله خامنئي، حيث كان موسوي يتولي رئاسة الوزراء. وطيلة ثماني سنوات لم يتفق رئيس الجمهورية خامنئي مع رئيس الوزراء موسوي، ولو لمرة واحدة حول أي أمر من الأمور، ولما وصل الخلاف إلى حدّ مقاطعة خامنئي اجتماعات مجلس الوزراء، تلقي توبيخا عنيفا من الخميني، الذي قال لخامنئي، وهو تلميذه؛ يبدو أنكم لا تدرون مفهوم الحكومة الإسلامية، إن الحكومة تحظي بسلطة كاملة، بل عند الاقتضاء، تستطيع أن تدمر المساجد وتوقف الحج و...

بعبارة أخرى انحاز الإمام لصالح موسوي، وحتى الآن لم ينس خامنئي ذلك. وعند إصرار خاتمي على أن يعلن موسوي ترشيحه، اشترط موسوي ذلك باستعلام رأي المرشد ولو بشكل غير مباشر، وردّ المرشد جاء مقتضبا: لا أرى من المصلحة أن يترشح السيد موسوي.

المشكلة الثانية لموسوي تتمثل في عدم معرفة 70 في المائة من الناخبين به، وهؤلاء الناخبون دون سنّ الثلاثين، إما كانوا أطفالا، أو أنهم لم يكونوا قد ولدوا بعد، خلال فترة تولي موسوي منصب رئيس الوزراء، فترة الحرب مع العراق ونظام الكوبونات والنقص الملموس في السلع الضرورية.

وإلى ذلك فإن عدم سيطرة الإصلاحيين على أجهزة إعلام مؤثرة وحرمانهم من التغطية الإذاعية والتلفزيونية الخاضعة لهيمنة التيار الأصولي المتحالف مع الرئيس أحمدي نجاد، كان سيحول دون استعراض إنجازات موسوي وسيرته الشخصية خلال الأشهر المتبقية حتى يوم الاقتراع.

ورغم أن خاتمي قد سمع كلاما شبيها بما أدلى به المرشد حول ترشيح موسوي خلال لقائه معه، حيث أكد آية الله خامنئي أنه لا ينوي دعم أي مرشح، أو منع آخر من الترشيح، فإنه كصديق قديم لخاتمي يرى أنه ليس من مصلحته الترشيح، حيث يجب ترك الساحة للقوي الثورية الشابة، انظروا إلى أحمدي نجاد، كيف يذهب إلى الولايات ويمارس عمله ليلا ونهارا. إلا أن زعيم التيار الإصلاحي قرر أخيرا إعلان ترشيحه، ووفقا لأحد مرافقي خاتمي، هذه الأيام، فإن لقاءين عاطفيين، قد قضيا على تردد خاتمي، اللقاء الأول كان قبل أسبوعين مع أسر بعض كوادر وقيادات الحرس المؤسسين الذين استشهدوا في جبهات الحرب دفاعا عن الوطن، وقد رفعت الأسر المذكورة التماسا إلى خاتمي مطالبة خلاله بأن يعلن خاتمي ترشيحه فورا لأن البلد بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى. أما اللقاء الثاني فإنه كان مع جمع من المثقفين والنشطاء الأكراد السنة، ممن أكدوا لخاتمي بإلحاح شديد أن استمرار الوضع كما هو، سيؤدي إلى انهيار وحدة البلاد والإضرار بسيادة إيران. وأن على خاتمي أن يتقدم سريعا لإعادة اللحمة بين القوميات الإيرانية. إن إيران تخاطبكم بكردها وبلوشها وآذريها وتركمانها، بسنتها وشيعتها، بيهودها ومسيحييها، بزراتشييها وعلمانييها، هكذا قال مثقف كردي بارز في نهاية الاجتماع. وعقب خروجه من اللقاء، قال خاتمي، سأعلن ترشيحي بعد الغد في مجمع رجال المناضلين.

إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن - بالنظر إلى ردود الأوساط السياسية والشعبية في إيران التي اتسمت بارتياح وفرحة الإصلاحيين وغضب واستياء التيار الأصولي والمحافظين، لدرجة أن أنصار حزب الله حاولوا ضرب خاتمي خلال مسيرة يوم الثلاثاء في ذكري انتصار الثورة - هو، ماذا سيحمل خاتمي في جعبته هذه المرة ولم يكن يحمله في العام 1997؟

هل يأتي ببرامج متكاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؟ وتأتي بعده تساؤلات أخرى، هل يأمل خاتمي بتغيير سلوك السلطة العليا، والتيار الأصولي والحرس وسلطات الأمن، لو فاز في الانتخابات؟ وماذا عن قوله قبل أربع سنوات بأنه كان يواجه أزمة مفتعلة كل تسعة أيام؟ هل فترة رئاسته المقبلة في حالة فوزه في الانتخابات، ستكون خالية من الأزمات المفتعلة من قبل المراكز المسيطرة على المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن؟

وماذا عن الخطوط الحمراء؟! لقد أكد خاتمي لمنتقديه أواخر عهده، بأنه ملتزم بالدستور وأسس الثورة، بل هو ابن الثورة والإمام الخميني. وأولئك الذين كانوا يتوقعون منه الخروج على الدستور والصدام مع المرشد، قد أخطأوا بتبنيهم آمالا غير واقعية. إذن هل يريد خاتمي تكرار تجربته المريرة في السنوات الثماني التي تولي خلالها الرئاسة؟

لقد دعا خاتمي بعد فوزه الساحق في مايو (أيار) 1997، المثقفين والطلبة والعمال وأطراف المجتمع المدني إلى تشكيل الأحزاب والنقابات المهنية مشيرا إلى أن إزالة جذور الاستبداد في بلد حكم لقرون متتالية من قبل المستبدين هي مهمة لن يكون باستطاعة رجل واحد أو حكومة ما تنفيذها، بل تتطلب جهدا مشتركا بين الحكومة والمجتمع المدني. وعلي حد قول أحد مستشاري خاتمي فإن طلب الرئيس لم يجد الاستجابة المطلوبة من الذين كانوا يطالبونه بتحدي مراكز أقوي منه قولا وفعلا.

وما يسمعه خاتمي هذه الأيام من أقرب أصدقائه والمعجبين بشخصيته: ما هي حدود قفزته هذه المرة؟ سواء في ميدان السياسة أو الثقافة؟ وفوق ذلك هل سيأتي بحلول جذرية للمشاكل الاقتصادية المتفاقمة التي سيتركها أحمدي نجاد له في حالة فوزه؟ ويؤكد رضا هاشمي، أحد نشطاء مكتب أدوار تعزيز الوحدة السابقين الذي لعب دورا مهما في فوز خاتمي الأول، أنه لا يمكن تحقيق الفوز هذه المرة بابتسامة عريضة ونشيد «صديقي المدرسي». ان ميدان السياسة مليء بألغام عدة حاليا، والدخول إلى هذا الميدان يتطلب الحزم وجهاز إبطال مفعول الألغام، وليس مجرد الوعود.