أوباما.. وعصر جديد في العلاج بالخلايا الجذعية

TT

أبحاث الخلايا الجذعيةResearch Stem Cell، من مجالات البحوث العلمية الواعدة طبيا، وبخاصة في علاج الأمراض الخطيرة والمستعصية، كما أنها في الوقت نفسه مثيرة للجدل في الأوساط السياسية والدينية، وبخاصة في الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش.

ولكن في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي خطوة علمية مثيرة كانت مرتقبة من إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، وبناء على تعهده في برنامجه الإنتخابي برفع القيود عن التمويل الفيدرالي والدعم لبحوث الخلايا الجذعية للأجنة البشرية، أعلنت شركة «جيرون» Geron Corporationالأميركية للتكنولوجيا الحيوية في كاليفورنيا عن حصولها على الموافقة لإجراء أولى التجارب على البشر باستخدام الخلايا الجذعية الجنينية، وأنها بصدد تجربة العلاج على مرضى مصابين بالشلل نتيجة إصابات في العمود الفقري. حيث وافقت «إدارة الأغذية والدواء» الأميركية، المؤسسة الحكومية الإتحادية الموكلة بإجازة العلاجات والأغذية، على بدء التجارب العملية لاستخدام الخلايا الجذعية على البشر مما سيتيح المجال أمام اختبار استخدام خلايا جذعية مأخوذة من أجنة بشرية في جراحات النخاع الشوكي والعمود الفقري. ووصفت الشركة هذه الخطوة بأنها بداية عصر جديد في العلاجات الطبية.

وتعد الخلايا الجذعية الجنينية خلايا متعددة الاستخدامات، حيث إنها قادرة على التطور لتصبح أي نسيج متخصص في الجسم، وتهدف التجارب الى حقن الخلايا في العمود الفقري لعدد من المتطوعين المشلولين على أمل أن يشجع ذلك الخلايا العصبية التالفة على النمو مرة أخرى، بما يمكن المريض من استعادة الإحساس والحركة في الأجزاء المشلولة. والخلايا الجذعية نوعان هما، الخلايا الجذعية الجنينية Embryonic Stem Cells، ويتم الحصول عليها من دماء الحبل السري Umbilical Cord بعد الولادة مباشرة أو من النطفة الجنينية، وهي عبارة عن كتلة الخلايا الجنينية الأم التي تتكون داخل النطفة الملقحة خلال الأيام الأربعة أو الخمسة الأولى بعد عملية الإخصاب، التي تسمى حينذاك «بلاستوسيت» blastocyst وتحتوي على حوالي من 100 الى 150 خلية جذعية جنينية تستطيع أن تنمو لتعطى أي نوع من أنواع خلايا الجسم المختلفة. والنوع الثاني هو الخلايا الجذعية البالغة أو الناضجة Adult Stem Cells، وتوجد في الأطفال والبالغين على حد سواء، لتعويض ما يتلف من خلايا أعضاء الجسم وتجديد خلاياه. ومعروف من قبل أن الخلايا الجذعية البالغة لاتنمو إلا في اتجاه تخصصها، فمثلا الخلايا الجذعية المكونة للدم تستطيع التمايز الى أحد خلايا الدم، ولكن اكتشف العلماء حديثا إمكانية توجيه الخلايا الجذعية البالغة لتكوين أنواع أخرى من الخلايا.

وتركز دول العالم الآن وبخاصة المتقدمة على الاهتمام بمجال الخلايا الجذعية الجنينية المستخلصة من دماء الحبل السري، وذلك لما تتميز به من خصائص علمية مميزة وواعدة في علاج العديد من الأمراض المستعصية، ولهذا فقد أنشأت الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي العديد من «البنوك المتخصصة لحفظ دماء الحبل السري» لعلاج المرضى.

ومن المهم هنا أن نشير إلى أن هناك في عالمنا العربي الآن خطوات علمية رائدة في الاهتمام بأبحاث الخلايا الجذعية، وبخاصة في المملكة العربية السعودية، فقد تم تأسيس البنك الوطني لتخزين ومعالجة الخلايا الجذعية المستخلصة من دماء الحبل السري في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، الذي يعد خطوة رائدة تهدف لتوفير فرص علاجية للعديد من الأمراض المستعصية، وهناك أيضا وحدة أبحاث الخلايا الجذعية بجامعة الملك سعود، التي تعد أول وحدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى العديد من المؤتمرات وورش العمل في السعودية حول دور الخلايا الجذعية في علاج العديد من الأمراض. كما أسست الإمارات العربية المتحدة مركز دم الحبل السري والأبحاث في دبي، الذي يقوم بتخزين دماء الحبل السري بهدف تقديم الدعم للمرضى المحتاجين لنقل خلايا دموية.

كل هذه الجهود العربية المتنامية الواعدة في مجال الاهتمام بأبحاث الخلايا الجذعية، بحاجة لإنشاء المزيد من مشروعات «بنوك حفظ دماء الحبل السري وأنسجة المشيمة»، التي تعد ثروة هائلة ومصدرا مهما وخطوة أولى لأبحاث الخلايا الجذعية، وثورة طبية تحمل الأمل لإنقاذ حياة الكثير من المرضى وعلاج العديد من الأمراض المستعصية، التي للأسف قد يتم التخلص منها لعدم وجود بنوك لحفظها. وهناك ضرورة لتوعية المجتمع بأهمية مجال أبحاث الخلايا الجذعية وأهمية تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على إنشاء أكبر عدد من بنوك تخزين دم الحبل السري وزيادة عدد الوحدات المخزنة، التي من شأنها المساعدة في التوسع في إجراء أبحاث الخلايا الجذعية المبشرة بعصر جديد في التوصل لعلاجات جديدة للعديد من الأمراض وبخاصة المستعصية منها.