سيناريو أسوأ القضايا

TT

في الفترة بين عامي 1990 و2007 ارتفعت ديون الرهن العقاري الإجمالية للأميركيين من 2.5 تريليون دولار إلى 10.5 تريليون دولار. وقد كان ذلك الارتفاع جزءًا من فقاعة الائتمان الاجتماعي التي انفجرت في عام 2008. ولتخفيف آلام ذلك الانهيار، قررت السلطات الفيدرالية استبدال الدين الخاص بالدين العام.

في عام 2008 زادت إدارة بوش من الإنفاق بما يقارب 1.7 تريليون دولار، والقروض المضمونة والاستثمارات والودائع التي تقدر بقيمة 8 تريليونات دولار. وفي عام 2009 أنفقت إدارة أوباما 800 مليار دولار على خطة التحفيز، وتريليون دولار على الجولة الثانية من خطة إنقاذ البنوك، والالتزام بتقديم تريليون آخر على إصلاح الرعاية الصحية وخطط الإنقاذ الأخرى.

وقد رحب الأميركيون بوجه عام بانطلاقة هذا النشاط الشعبي، وفي كتابه «الديمقراطية في أميركا» كتب أليكسس تكويفيل عما يحدث لأشخاص يكتنفهم القلق فيقول «إن طعم الهدوء الشعبي يصبح بعد ذلك شعورًا أعمى ويصبح الأفراد عرضة لتحمل أقسى درجات الإخلاص المبالغ فيه للنظام». كان من الممكن أن يكون الأميركيون متشككين في مضاعفة ميزانيات البرامج الفيدرالية إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف في الأوقات العادية، لكن تلك الشكوك تلاشت وسط المخاوف الاقتصادية. وبات المتعاملون بالأسهم في وول ستريت متعطشين لخطة إنقاذ فيدرالية ضخمة، وقام الاقتصاديون بتقديم خطط تفترض إمكانية إنفاق الحكومة كميات ضخمة من المال بفعالية وتم قبول تلك الخطط.

كانت إدارة أوباما تكتظ بالمعتدلين الذين اكتشفوا أنه لا طائل من وراء الاعتدال، واتهموا من جانب الليبراليين بأنهم ثابطو الهمة، كما هاجمهم الجمهوريون لأنهم رأوا في مهاجمة الديمقراطيين متعة. وبمرور الوقت، انحرفت الإدارة باتجاه اليسار وخلقت ما يمكن أن نسميه مستوى انقسام الليبرالية التكنوقراطية.

وقد دافع الرئيس أوباما عن مبادرات الإنفاق بشدة، فقد أظهر إيمانًا قويًا بالخبراء الذين يتمتعون بدرجة عالية من التدريب، وبنى مناقشاته على النماذج التي أعدت وتقديرات الاحتمالات المستقبلية. وكان التشريع الحقيقي قد تم تمريره من خلال رؤساء اللجنة من الديمقراطيين الذين كانوا يعملون، على الأغلب، خارج قبضة الإدارة.

ومن المتوقع خلال عام 2010، أن يتوقف التراجع الاقتصادي، لكن الانتعاشة لن تكون قد أتت بعد، وستكون هناك العديد من المبشرات الكاذبة والركود. وقد كانت المشكلة هي أن صناع السياسة قد علموا كيفية جذب الروافع الاقتصادية، لكنهم لم يعرفوا كيفية استخدام تلك الروافع للتأثير في علم النفس الاجتماعي.

قد توصف الأزمة الحالية بأنها أزمة اقتصادية، لكنها في الواقع أزمة نفسية جاءت نتيجة حالة الخوف والشك، قادت المستهلكين إلى عدم الإنفاق، والبنوك إلى عدم الإقراض، والشركات إلى عدم المجازفة، ولم يمكن لأي قدر من الإنفاق الحكومي تغيير تلك الطبيعة، لأن الشكوك بشأن المستقبل ظلت ثابتة إلى حد كبير.

ويفرق العلماء المعرفيون بين قرارات تقييم المخاطر الطبيعية، والتي تنشط مناطق توقع المكافآت في المخ، واتخاذ القرارات وسط شك بالغ من شأنها أن تخلق نشاطًا في المجتمع. وتعد هذه عمليات عقلية مختلفة تستخدم استراتيجيات مختلفة وتحدث نتائج مختلفة. وقد أجبر الأميركيون فجأة على التعامل مع الفئة الثانية من الشك البالغ.

ولم يكن هناك من سبيل أمام الاقتصاديين وصناع السياسة للبحث خلال هذا الظلام، وكانت أساليبهم معتمدة على الافتراض بأن الأفراد عقلانيون ويمكن التنبؤ بتصرفاتهم. وكان من الممكن أن تعمل خططهم بصورة جيدة خلال أوقات التوازن، غير أنه في هذه اللحظة من عدم التوازن، كان السلوك غير مستقيم ولا يمكن التنبؤ به ومتناميا ومقاوما بصورة عنيدة للعقلانية.

لقد أدى الفشل في إحداث انتعاشة اقتصادية إلى انهيار الثقة العامة، وبدا أن وعود الرئيس أوباما بتوفير 3.5 مليون وظيفة كانت خدعة وتحولت ثقته إلى وهم. وقد كان المناخ السياسي أكثر استقطابا، وكان ذلك يعني استحالة التعامل مع ديون الاستحقاق. وكان المناخ الاقتصادي يعني استحالة رفع الضرائب أو خفض الإنفاق أو القيام بأي شيء لخفض العجز المتزايد في الميزانية، كما زاد العجز الفيدرالي إلى 15% من إجمالي الناتج المحلي.

بعيدًا عن تهدئة تلك الشكوك، أدى العجز الكبير في الميزانية إلى المزيد من المخاوف، ولم يكن باستطاعة الولايات المتحدة تحمل تكلفة الاستجابة للمستجدات الجديدة، كالأعاصير أو الأزمات الخارجية.

لقد راهنت الأمة بمستقبلها على نماذج اقتصادية ذات وجهات نظر ساذجة للسلوك الإنساني، وقد حاولت الحكومة تغيير علم النفس الاجتماعي باستخدام معادلة متكررة. وبدلا من أن يلوموا أنفسهم وجه الأميركيون غضبهم تجاه صناع السياسة والخبراء الذين قاموا بتقييم السلوك الإنساني في صورة معادلة حسابية.

*خدمة «نيويورك تايمز»