دارفور رهينة «عدالة» البيض

TT

وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في دارفور على وثيقة تفاهم في الدوحة.

التطور السياسي الجديد ربما هو تذكير جديد بقضية ومأساة لم تتمكن رغم فظاعتها من تحريك الرأي العام العربي على النحو الذي تفترضه حقائق ووقائع من النوع الذي اقترن بقضية الدارفوريين.

لقد استفظع العرب نظاما ورأيا عاما أن توجه محكمة دولية تهما رسمية ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب جرائم حرب في الإقليم المتنازع عليه منذ سبع سنوات على نحو أوسع بكثير من استفظاع سقوط أكثر من ثلاثمائة ألف ضحية ونزوح مليوني لاجئ وتعرض آلاف الدافوريات للاغتصاب.

ألا تفترض وجاهة الدفاع الإعلامي العربي عن البشير وجاهة موازية في الدفاع عن الضحايا في دارفور!! فلكي نقنع رأيا عاما بأننا ضحايا الاستئثار الغربي بالقرار الدولي علينا أن نقنعه قبلا بانحيازنا إلى ضحايا سقطوا في ظل أنظمة من المفترض أنها وجهة انحيازنا.

البشير الذي رغم الشهادات والتقارير الموثقة حول تعرض دارفوريات لاغتصاب منظم، لاقى مدافعين كثرا عنه لم يتورعوا عن اتهام الضحايا بالكذب..

تتكرر هنا في دارفور سقطة سبق أن وقعنا فيها في حلبجة، القرية الكردية التي قصفها الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالأسلحة الكيماوية أواخر الثمانينات. حينها انحزنا لمواجهة القرار الغربي في إسقاط صدام ولم نجد أي غضاضة في تجاهل المحنة الكردية وضحاياها.

مرة جديدة، يحدث تطور ما في قضية دارفور وتبقى سمة التعامل العربي معها إعلاما ومجتمعا هي اللامبالاة التي لا يبالغ المرء في وصف التعامل العربي معها بأنها عنصرية موصوفة.

دأب الغرب عبر سياسييه وكتابه وإعلامه وحتى فنانيه على تكرار عبارات النقد اللاذع للعرب والمسلمين لضعف حساسيتهم، بل ربما انعدامها، إزاء مأساة إقليم دارفور السوداني. ودأب العرب في المقابل كتابا ومعلقين وأحيانا سياسيين على التساؤل عن سرّ اهتمام الغرب ومساندته لأهل دارفور وطرح مسألة ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع مجتمعات ضعيفة. لا شك أن الحدّ الأدنى من الحس الإنساني والقيمي يقتضي إدانة صمت المجتمع الدولي إزاء جرائم ترتكب في فلسطين والعراق ولبنان. لكن ماذا عن الإدانة التي يجب أن تلحق الصامتين إزاء دارفور!

ارتكبت إسرائيل مجازر في غزة استهدفت أطفالا ونساء ومدنيين وتحرك الشارع العربي وتفاعل على نحو واسع مع صور المأساة الفلسطينية وطالب بمحاكمة دولية لقادة إسرائيل.

لكن هناك من وقف في الوسط الإعلامي الغربي والإسرائيلي ليقول إن وثبة العرب دفاعا عن أطفال غزة غير حقيقية ومنحازة والدليل أن أمرا لم يحركهم دفاعا عن ضحايا دارفور وأطفالها ونسائها.

هذا الاستعمال السيئ من حيث المضمون نحن الذي أتحنا الفرصة له كي نواجه به. فكم كان موقفنا أمتن لو أننا قمنا بما قمنا به حيال أطفال غزة بعد أن نكون قد حصّنا موقفنا بموقف مشابه في دارفور وبدلا من تأليف جوقات للدفاع عن البشير لنذكر الضحايا ونحاول الدفاع عنهم.

diana@ asharqalawsat.com