انتخابات إسرائيل أطاحت حل الدولتين

TT

إلى أين تتجه إسرائيل الآن؟ ومن سيختار الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ليشكل الحكومة المقبلة؟

فاز حزب «كاديما» برئاسة تسيبي ليفني بأكثرية مقعد واحد، لكنه لم يحقق المجموع الذي يخوله تشكيل حكومة. في اليومين الأخيرين مالت ليفني إلى البقاء في مقاعد المعارضة إذا عجزت عن تشكيل كتلة. وبعد الاجتماع الوزاري يوم الأحد الماضي بدا أن رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت اقترح عليها المشاركة في تحالف حكومي، لكنها رفضت تخوفا من الشركاء المحتملين في تلك الحكومة، عندها اقترح أولمرت أن تتجه إلى المعارضة على أساس أن انتخابات جديدة ستجري قريبا إذا ما حكم اليمين المتطرف، لأن النتائج لم تكن حاسمة.

بعد الانتخابات ازداد اليمين الإسرائيلي قوة، وضعف اليسار. لكن اليمين ليس موحدا، والاختلاف كبير مع أفيغدور ليبرمان «إسرائيل بيتنا» الذي «يريد طرد العرب». لكن بعض الإسرائيليين يقفون مع طروحاته التي تطلب من العرب داخل إسرائيل «الولاء» للدولة، وعليهم بالتالي أن يقرروا ما إذا كانوا إسرائيليين أم فلسطينيين!

طردهم إلى أين؟ بطريقة غير معلنة يوافق ليبرمان على دولة فلسطينية إنما مع تبديل في الأراضي، وليس إنهاء الاحتلال. هو لا يريد «أم الفحم» أن تبقى داخل إسرائيل، ويقترح تحريك السكان وتحريك الأرض ذات الكثافة العربية.

ما يطرحه يختلف عن طروحات «الليكود» التي قد تؤدي لاحقا إلى حل الدولة الواحدة بدل حل الدولتين، فـ«الليكود» يرفض فكفكة المستوطنات، وبعد الانسحاب من غزة صار يرفض إعادة الانتشار تمهيدا للانسحاب.

ما يُكسب ليبرمان شعبية في إسرائيل كونه قال للعرب إنه لا يمكن امتلاك هويتين، ومستعد أن يبادل الأراضي ويبادل الناس. يقول بعضهم إنه ظاهرة جديدة في إسرائيل، حصل على أصوات أكثر من «حزب العمل».

في الانتخابات الأخيرة كانت نسبة العرب الناخبين أقل من النسب السابقة، والسبب ليبرمان. هدفه الآخر مواجهة القوانين الدينية، حيث يطالب بقانون زواج لا يخضع للتقاليد المتشددة لأنه يمثل الكثير من المهاجرين الروس الذين يواجهون مشكلات بيهوديتهم لأن عددا كبيرا منهم ليسوا بيهود (20%).

المحاولات الآن إيجاد تركيبة «من يذهب مع من؟»، إيهود باراك على استعداد لمشاركة «الليكود» وليبرمان في حكومة واحدة، ليهرب مما يطالب به أعضاء «حزب العمل» بعد فشلهم في الانتخابات، وهو استقالة باراك.

«كاديما» مستعد للتعاون مع ليبرمان لأنه يعرف أن طروحاته، إذا هُذبت، يمكن أن تلتقي في النهاية مع طروحات ليفني. أمام الجميع ثلاثون يوما للبحث وتشكيل حكومة، ويمكن تمديدها لثلاثين يوما أخرى. ورغم أن اليمين قادر وبسهولة على أن يشكل حكومة، فإنه يفضل حكومة مركبة، بانتظار معرفة موقف الإدارة الاميركية الجديدة. إذ من غير المعروف كيف ستكون «الكيمياء» بين واشنطن الجديدة والحكومة الجديدة في إسرائيل. سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط غير واضحة، وهذا مفهوم نظرا لمشكلاته الاقتصادية، ثم لماذا القفز السريع في مستنقع الشرق الأوسط؟ فالعملية تحتاج إلى وقت. من المحتمل جدا في النهاية أن ينجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة ضمن الستين يوما، وقد ينتهي الأمر بحكومة مماثلة للحكومة القائمة الآن. يكون نتنياهو رئيسا، وباراك وزيرا للدفاع، وليفني للخارجية. إذا اتحدوا ستكون لهم الأغلبية في الكنيست، لكن هذه الحكومة لن تحل المشكلة، إذ لا توجد قواسم مشتركة في التفكير. وليس معروفا كيف ستتطور الأمور، لهذا تتركز الأنظار على الدور المصري.

بعد غزة لم يعد من خيار أمام مصر سوى المشاركة الفعلية في المفاوضات الفلسطينية، ويجب مراقبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وكيفية تنسيقها مع مصر حول هذا الأمر. مصر دخلت الآن علنا في المعادلة الفلسطينية - الإسرائيلية، وكان لوحظ أن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، في أثناء حرب غزة، أثار ضجة كبيرة حول مصر وأدائها، واكتفى بهذا لأنه أدرك أن أي تدخل كان سيضر بلبنان والحزب. ثم إنه بطريقة ما أقر بالدور المصري.

اليسار في إسرائيل يقول إن «كاديما» يجب أن يقود البلاد في هذه المرحلة، لكن الآخرين يرون أن حل الدولتين تجاوزه الزمن. حتى الفلسطينيون صاروا يقولون إنه لم يعد ممكنا تطبيق حل الدولتين.

في الوقت نفسه يشكل الذهاب إلى حل الدولة الواحدة مشكلة كبرى، إذ لن تكون هناك حدود، وكيف يمكن تقسيم الناس؟ صار الآن بعض اليمين في إسرائيل يطالب أيضا بحل الدولة الواحدة إنما ليس حسب ما يفكر به الفلسطينيون. يعتقدون أن الإصرار على الدولة الواحدة أفضل لهم، لأنهم سيتفوقون ديموغرافيا.

الأسبوع الماضي صدر تقرير عن الأمم المتحدة جاء فيه أن سكان قطاع غزة تزايدوا بنسبة 40% خلال السنوات العشر الماضية، أكبر نسبة في العالم.

الآن تقول أطراف يمينية يهودية بدولة واحدة: «ولنترك الديموغرافيا تأخذ مجراها. سنبني مستوطنات أكثر يعيش فيها يهود فقط، ولا نريد حل الدولتين». بنظر هؤلاء «حزب كاديما» صار متخلفا ولا يعكس الحقيقة.

أما نتنياهو، واعتمادا على ماضيه، فإنه لن يفكك المستوطنات، أقله في المرحلة الأولى، وهو سيحاول أن يكسب بعض التفهم من الرئيس أوباما حول هذه المسألة. إن الفرق بين ليفني ونتنياهو لو شكل أي منهما الحكومة الإسرائيلية المقبلة، هو أن ليفني تفضل التركيز على حل المشكلة الفلسطينية ولا ترغب في تبديله بحل سوري - لبناني. أما نتنياهو فإنه يميل إلى الحل السوري إنما سيكون أكثر حذرا من الماضي. وفي حكومته المتوقعة فإن أشخاصا مثل رئيس الأركان السابق موشيه يآلون وبعض اليمين، لن يذهب مباشرة إلى الانسحاب من الجولان، إذ تجري جلسات وأبحاث يدرسون خلالها العملية في ما يتعلق بلبنان. والأسئلة المطروحة هي التالية: هل سورية هي مفتاح لبنان؟ أم يجدر التعامل مع لبنان على حدة من دون سورية، والعمل على إزاحة سورية من معادلة لبنان - إيران؟ حتى الآن لا قرار، إنما الدرس جار، صاروا متأكدين من أن لبنان ضمن المعادلة، إنما يريدون سحب سورية منها.

يرون رغم أن لبنان لم يعد ضمن أولويات البيت الأبيض، إلا أنه سيستعيد كسب الاهتمام إذا ما استؤنفت المفاوضات الإسرائيلية - السورية بطريقة جدية.

قد يمر أسبوع أو أسبوعان قبل أن تتوضح الصورة في إسرائيل، يستبعد البعض أن يتحالف «الليكود» مع «كاديما»، بل يفضل تشكيل كتلة يمينية تركز على الموقف الاستراتيجي. وأكثر ما تتخوف منه مثل هذه الحكومة هو مواجهة مع أوباما إذا أجبر الأخير نتنياهو على الانسحاب من الضفة الغربية. عندها قد تتوجه إسرائيل إلى الانتخابات مجددا، وعلى هذا يراهن حزب «كاديما» الذي يقول إن اليمين المتطرف سيدفع نتنياهو إلى ما يريده في الحقيقة.

من ناحية ثانية يجب ألا ننسى أن غزة تبقى موجودة في الخلفية، كذلك مفاوضات الفلسطينيين، ومحاولة الحصول على مكسب من «حماس». إذا أفرج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط يمكن أن يؤثر هذا على تشكيل الحكومة، ويضطر نتنياهو إلى أن يعرض على ليفني وزارة الخارجية، وهو لم يخفِ أنه يريد باراك وزيرا للدفاع. وتعود بذلك إسرائيل إلى الوضع السابق، لكن ليفني تريد حكومة تناوب، هو لا يريد ذلك. ثم هناك ليبرمان الذي سيسبب الكثير من المشكلات للحكومة. نتنياهو خائف من هذا، وحسب القصة التقليدية يرى أن من الأفضل أن يكون ليبرمان داخل الخيمة بدل أن يكون خارجها.

وتبقى إيران. وقد أكد نتنياهو أنه لن يقف متفرجا، وأنه سيحاول إقناع الرئيس أوباما بأن سياسة الانفتاح على إيران ليست بالصائبة. ومن أجل دعم موقفه لعمل شيء ما ضد إيران يحتاج إلى ليبرمان، وإذا أراد حلحلة على الجانب الفلسطيني سيحتاج إلى ليفني. عليه أن يقرر.

قالت ليفني في أثناء حملتها إنه إذا فاز نتنياهو سنواجه مشكلات مع الأميركيين. الآن تدفع الإدارة الأميركية إلى حكومة اتحاد وطني، لكنها لن تدفع إلى حل. بعض المحيطين بأوباما وبسبب خبرتهم يدركون أنه لا وجود لحل سحري. عيّن أوباما مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، هو جورج ميتشل، في زيارته الأولى قال إنه «يصغي»، وتحضيرا لزيارته الثانية قال إنه «سيضع شروطا لمفاوضات جدية». وقال إنه ينوي بحث وقف إطلاق النار في غزة، والتعاطي مع الوضع السياسي الإسرائيلي بعد الانتخابات، وكذلك الانقسام الفلسطيني. هو لن يزور دمشق، وعلق ديبلوماسيون مخضرمون: «إن ميتشل يضحك على نفسه». في أيرلندا كانت بريطانيا المعنية الوحيدة. في القضية الفلسطينية هناك سورية، «حزب الله» في لبنان، وهناك إيران.

الدائرة مغلقة، كيف يمكن تربيعها؟