الفلسطينيون: قبل العناق لا بد من الاتفاق على الأرضية المشتركة

TT

جاء مفاجئاً هذا التدفق العاطفي بين حركة «فتح» وحركة «حماس»، حيث في غضون أيام قليلة انقلبت المواقف وحلَّت مفردات الأخوة والمحبة محل مفردات الشتائم والسباب والاتهامات المتبادلة وباتت الأجواء اللطيفة التي حلَّت بعد انقشاع أجواء الأعاصير والعواصف، هذا إذا بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه المشجِّع جداً، تشكل دافعاً للمزيد من التفاؤل بأن اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي من المفترض أن ينعقد في القاهرة يوم الأحد المقبل سيكون نقطة تحول فعلية بمغادرة الوضع الفلسطيني خنادق الخصام والتمزق الى الوقوف فوق أرضية واحدة لمواجهة استحقاقات هذه المرحلة الخطيرة.

والمتوقع أيضاً، هذا إذا لم يستجد جديد يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل أيام وإذا لم يَفْشل اجتماع يوم الأحد المقبل الذي سيضم ثلاثة عشر فصيلا فلسطينيا مختلفة المشارب والتوجهات والارتباطات، أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة ائتلاف وطني انتقالية في غضون ستين يوماً وفقاً للدعوة المصرية تكون مهمتها، حسب خبر «الشرق الأوسط» يوم الاثنين الماضي، إدارة شؤون «السلطة» والإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة والتنسيق مع الجهات المانحة لإعادة إعمار غزة.

ثم وبالنسبة لهذا التحول المفاجئ في مواقف الحركتين الفلسطينيتين الرئيسيتين حركة «فتح» وحركة «حماس» فإن هناك وجهات نظر كثيرة تقال في هذا المجال من بينها إن «الارتياح» المستجد في العلاقات العربية – العربية قد عكس نفسه على الواقع الفلسطيني وأن مصر بادرت وبسرعة الى اغتنام هذا المستجد لتلزم هاتين الحركتين بتصحيح العلاقات المتوترة بينهما وفتح صفحة جديدة في الواقع الفلسطيني المتردي ترتقي الى مستوى التحديات الكثيرة والكبيرة التي باتت تواجهها القضية الفلسطينية.

وأيضاً فإن من بين وجهات النظر هذه ما يقال عن أن حرب غزة بنتائجها المدمرة قد جعلت الفلسطينيين عموماً يدركون أن عليهم لإنقاذ قضيتهم وانتشالها من الهاوية أن يرتقوا بمواقفهم السياسية وأن يغلبوا المصلحة الوطنية العليا على المصالح التنظيمية والحزبية وعلى الارتباطات والتمحورات الخارجية وأن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بما أفرزته من نتائج في غاية السوء قد أفهمت حركتي «فتح» و«حماس» أن عليهما أن يتخلصا وبسرعة من هذا الخلاف غير الموضوعي وأن ينهيا هذا الانشقاق المكلف.

وهكذا فإن المتوقع، هذا إذا ثبت أن النوايا غدت صافية بالفعل وأن القادة الفلسطينيين قد استعادوا وعيهم بعد أن ارتطمت رؤوسهم بجدران المذبحة البشرية التي تعرض لها قطاع غزة وبصخور ما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وإذا لم يتحرك المتدخلون من الخارج ليضعوا العصي في الدواليب، أن تشهد الأيام المقبلة تحولا مشجعا بالنسبة للقضية الفلسطينية التي باتت تقف على مفترق طرق خطير.

إن هذه الأجواء المفاجئة بين حركتي «فتح» و«حماس» تبعث على التفاؤل بالفعل لكن يجب الاحتفاظ إلى جانب هذا التفاؤل بالكثير من الحذر والتحفظ فالتجارب أثبتت على مدى مسيرة الحوار الفلسطيني – الفلسطيني الطويلة أنه لا يجوز وضع الأيدي في المياه الباردة حتى عندما يبالغ قادة التنظيمات والفصائل الفلسطينية المختلفة والمؤتلفة في العناق وتبادل القبل وفي الحديث عن المحبة والأخوة وعفا الله عما سلف.

وهنا فإنه يجب أخذ العبرة من المصير الذي انتهت إليه اتفاقية مكة المكرمة والمصير الذي انتهت إليه كل تفاهمات واتفاقات القاهرة وصنعاء ويجب الأخذ بعين الاعتبار دائماً وأبداً أن الوضع الفلسطيني في جوانب رئيسية منه مخترق حتى العظم وأن الفصائل التي من المفترض أن تلتقي في العاصمة المصرية يوم الأحد المقبل كانت قد التقت مراراً في السابق القريب والبعيد وأنها خرجت أكثر فرقة مما كانت عليه من قبل وإنه ثبت أن الارتباطات الخارجية لمعظم هذه الفصائل لها الأولوية على الهموم والتطلعات الوطنية الفلسطينية.

لا يجوز الإغراق في التفاؤل أكثر من اللزوم، هذا مع التضرع إلى الله ألا تنتكس هذه الأجواء الإيجابية وألا تبددها التدخلات الخارجية كما في كل مرة سابقة، فالمشكلة ليست أن تلتقي حركتا «فتح» و«حماس» ويتبادل قادتهما العناق وذرف الدموع الأخوية الساخنة، إن المشكلة تكمن في أن هناك استحقاقات لعملية السلام لا بد من دفعها

هناك خياران أمام حركة «حماس» لا ثالث لهما هذا إن هي قررت بالفعل، بعد درس حرب غزة المكلف، أن تنتقل من خندقها السابق إلى خندق جديد وهذان الخياران هما:

إما الالتحاق بمنظمة التحرير وبالسلطة الوطنية والالتزام بكل المواثيق والقرارات السابقة التي التزمت بها هذه المنظمة إن قبل اتفاقيات أوسلو وإن بعدها وأولها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 والقرارات اللاحقة وآخرها القرار رقم 1860 ثم خارطة الطريق و«أنابوليس» وكل ما ترتب على هذه المسيرة الطويلة منذ مؤتمر مدريد الشهير وحتى الآن.

وإما اتخاذ موقف المعارضة الإيجابية وترك منظمة التحرير تفعل ما تشاء مع مراقبتها المراقبة الجدية والمؤثرة والفاعلة من خلال المجلس الوطني الفلسطيني وأيضاً من خلال المجلس التشريعي الذي لها فيه الأكثرية الآن والذي قد تكون لها الأكثرية فيه بعد الانتخابات المقبلة التي من المفترض أن تجري في يناير (كانون الثاني) من العام المقبل.

إن كل هذا التفاؤل سيتبدد حتماً وأنه لن تصمد هذه الحكومة الانتقالية التي يجري الحديث عنها حتى إن هي تشكلت خلال الستين يوماً التي حددتها مصر إن لم يتم التفاهم مسبقاً على الأرضية السياسية المشتركة للتعاطي مع عملية السلام ومع كل استحقاقات عملية السلام من الاعتراف بإسرائيل إلى حل الدولتين إلى كل القضايا المترتبة على هذا الأمر ووفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة بهذا الأمر.

يجب أن يكون مفهوماً منذ الآن أن أجواء التفاؤل هذه سيكون مصيرها كمصير اتفاقية مكة المكرمة وكمصير اتفاقات القاهرة الكثيرة إن لم يتم التفاهم مسبقاً وبضمانات عربية على وضعية حركة «حماس» في المرحلة اللاحقة بدءاً بالتعاطي مع عملية السلام واستحقاقاتها وصولا الى الانضواء في إطار منظمة التحرير التي يجب أن يزداد التمسك بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني والتي يجب إصلاحها من داخلها وليس وفقاً لما تطرحه «الفصائل الدمشقية».

إنه لا بد من حسم هذه المسألة أولا وقبل كل شيء فالشعب الفلسطيني لم يعد يحتمل المزيد من الإخفاقات والخيبات ولقد ثبت أن العناق الفلسطيني – الفلسطيني كلما كان حارا ومبالغا فيه كان مقدمة لجولة صراعات وخلافات جديدة أشد وطأة وخطورة من الخلافات السابقة.. إن المثل يقول: «تفاءلوا بالخير تجدوه» لكن بالنسبة لهذه الحالة الفلسطينية التي هي محصلة سنوات طويلة من التقارب والتباعد والاتفاق والاختلاف فإنه لا يجوز التفاؤل من قبيل العلاقات العامة ومن قبيل الأخذ «بخواطر» الدول العربية المتدخلة لإصلاح ذات البين.. إنه قبل العناق والتفاؤل لا بد من التفاهم على برنامج الحد الأدنى الذي يلزم الجميع وأنه لا بد من الوقوف على أرضية واحدة متفق عليها مسبقاً للتعاطي مع عملية السلام واستحقاقاتها.

إن هناك، في ظل موجة التفاؤل هذه، من يقول إن توجهات حركة «حماس» الجديدة جدية وصادقة ولكن مشكلة هذه الحركة أنها مستعدة لتقديم كل التنازلات المطلوبة ولكن بصورة سرية في حين أنها تصر علنياً على أنها حققت انتصاراً فعلياً حتى وإن كان هذا الانتصار وهمياً وغير حقيقي وهذا إذا كان هو المطلوب فإنه يجب أن يُعطى إليها فالهدف هو الوقوف على الأرضية المشتركة الواحدة وما عدا ذلك فإنه يبقى رتوشاً دافع التمسك بها هو حفظ ماء الوجه فقط.