أمة «فنزويلية» واحدة..

TT

فعلها الفنزويليون وحنوا للعالم الثالث وبعض الدماء العربية التي اندمجت مع أصولهم الإسبانية من الأندلس، وعدلوا دستور بلادهم ليمنحوا رئيسهم هوغو شافيز رئاسة بلا حدود بحجة أنه «لا يزال يحتاج إلى سنوات طويلة لتطبيق الثورة التي حققت شعارات شعبية مهمة».

مألوف لدينا منظر القائد المهيب والزعيم الأوحد وهو يجوب شوارع كراكاس العاصمة الفنزويلية، وأرتال الناس تسير هائمة على وجوهها وهي تهتف وتحمل اللوحات منادية «شافيز لن يرحل»، وهي النسخة الكربونية لهتاف «بالروح والدم نفديك يا فلان».

قانون الجاذبية العربية يفسر الكثير عن سر انجذاب العرب لديكتاتور جديد، فها هو شافيز «يلحس» دستور بلاده ويعدل فيه ليفصّله على مقاسه تماما، ويرفع شعارات براقة وجذابة لإلهاء الناس، ويتعاون مع أنظمة مستبدة مرعبة مثل النظام الكوبي في سبيل تكريس زعامته على أميركا الجنوبية.

نفس المشاهد التي عانينا منها كعرب لسنوات بائسة من قبل تعود لتجذبنا ونرى فيها المغريات لتعجبنا ونهتف لها. نفس البدايات انطلقت إبان ثورة يوليو في مصر، جاء إلى الحكم ثلة من العسكر، ورفعوا شعارات جميلة وبراقة عن تنظيف وتطهير البلاد من آفات الفساد، ليحولوها إلى حكم مستبد.

وكذلك قدم نظام البعث ذات المثال حين روج لشعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» (والى اليوم لا أحد يعرف تحديدا ما هذه الرسالة). وأشفق كثيرا على أي بعثي اليوم؛ كيف سيستطيع الدفاع عن قناعاته وهو يرى بأم عينيه الخراب المدمر والشقاق والفتن والمصائب التي تسبب فيها حزب البعث وسياساته على المنطقة وشعوبها.

اختيار «البطل» مسؤولية، وبمن يعجب العرب وبمن يهيمون مسؤولية أكبر، فكيف ينال هوغو شافيز هذا القدر من الإعجاب، ولا ينال نفس المقام رجل فذ بعظمة نيلسون مانديلا؟ سؤال وجيه، والإجابة عنه مؤلمة، فهي لن تخرج عن أن السبب فيه العديد من الأسباب والتفسيرات السطحية الساذجة لهذا الإعجاب، على الرغم من أن نيلسون مانديلا ومواقفه تخاطب مسائل حيوية وأساسية وفي صميم التحدي الفكري للعرب، كالتسامح والتعايش والتحاور، وهو ما قام بعمله مانديلا بشكل ساحر وأخاذ، على عكس نموذج هوغو شافيز الذي يلعب ـ وبمهارة ـ على العواطف والمشاعر المجروحة.

فها هو شافيز يسخّر موارد الدولة لمصلحة تكريس حكمه، ويقوم بالتأميم كممارسة فظة تماما كما قامت بها جميع الأنظمة الثورية العربية في الخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي، حينما أقدمت على عملية نهب مقننة لخيرات رجال أعمال شرفاء بحجج حمقاء ساهمت في تدمير اقتصاد بلادهم بحماقة وجهل. هذا كان البارحة، واليوم يستمر مسلسل الانجذاب الجاهل، مما يعني أننا ما زلنا أسرى «عقلية الاستعمار» كما سماها المفكر الراحل الكبير مالك بن نبي، ولذلك وحتى إشعار آخر سيستمر التبرير، بل وحتى الاستمتاع بحكم الدكتاتور الثوري. أما هوغو شافيز فليهنأ بالإعجاب العربي له لأن «المتعوس اتلمّ على خايب الرجاء»!

[email protected]