إشارة.. تنتظر الرئيس أوباما

TT

رغم كل الجهود التي تبذلها الدول العربية الموصوفة بـ«المعتدلة» لتطبيع الوضع الفلسطيني تمهيدا لإعادة إحياء مسيرة التسوية التفاوضية للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، يصعب توقع «اختراق» يعتد به على هذا الصعيد قبل بضعة أشهر على الأقل، ولأكثر من سبب:

*أميركيا لا يزال الوضع الاقتصادي والمالي الداخلي على رأس أولويات الرئيس باراك أوباما، واهتمامات العالم أيضا.

* إسرائيليا، قد يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة أسابيع إن لم يكن أشهرا بعد أن أفرزت الانتخابات الأخيرة أكثرية برلمانية موزعة على شراذم حزبية يمينية قاسمها المشترك العداء للفلسطينيين.

حتى لو حدث المستبعد حاليا وكلفت وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، تشكيل الحكومة الجديدة، لن يعني ذلك أن فرص العودة إلى دبلوماسية التفاوض باتت أفضل مع استمرار إسرائيل في تضخيم هواجسها الأمنية واستمرار الانقسام المحبط للقضية الفلسطينية داخل البيت الفلسطيني، واستمرار الأجواء المتشنجة التي خلفتها في المنطقة كلها حرب فرض الأمر الواقع بالقوة على قطاع غزة.

هذه الخلفية المعقدة للوضعين الفلسطيني والإسرائيلي تعطي واشنطن فرصة سانحة للتحرك على ساحة التسوية وتحملها، في الوقت نفسه، مسؤولية إعادة النزاع إلى إطار التفاوض الدبلوماسي.

هذه النقلة النوعية المطلوبة لأسلوب مقاربة نزاع الشرق الأوسط باتت ملحة بعد حرب أثبتت أن مقارعة التطرف الإسرائيلي للتطرف الفلسطيني لا ينتج سوى المزيد من التطرف لدى الجانبين. وإذا كانت الدول العربية «المعتدلة»، وتحديدا مصر، ساهمت بما فيه الكفاية في لجم التطرف داخل البيت الفلسطيني فإن تحقيق النقلة النوعية المطلوبة لعودة النزاع إلى طاولة التفاوض أصبح اليوم مسؤولية واشنطن وحدها.

باختصار، جاء دور إدارة الرئيس باراك أوباما لأن تكسر جدار الصمت وتوضح موقفها من التسوية المقترحة لنزاع الشرق الأوسط في وقت بدأ فيه التساؤل عن جدوى التزام دول الثقل العربي باعتدال لا يقابله «اعتدال» أميركي في الموقف من إسرائيل. وعلى هذا الصعيد تتحمل واشنطن مسؤولية مزدوجة أولاها الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي، وثانيها – وإن كانت لا تقل عنها أهمية – قطع الطريق على تنامي شعور دول الثقل العربي بأن اعتدالها أخذ يتحول إلى عبء عليها، الأمر الذي كشفته قمة الكويت الأخيرة في إشارتها بأن مبادرة السلام العربية لن تبقى «طويلا» على الطاولة. لغاية الآن كان المؤشر الوحيد على احتمال اتخاذ الرئيس أوباما، في تعامله مع القضية الفلسطينية، منحى مغايرا لمنحى سلفه جورج بوش، تكليفه لشخصية نزيهة ومحايدة، مثل جورج ميتشل، بملف النزاع. ولكن ذلك لا يكفي لإقناع الشارع العربي بجدية الإدارة الأميركية في العودة إلى لعب دور الوسيط المؤثر في النزاع العربي - الإسرائيلي طالما لم يفصح الرئيس أوباما، حتى الآن، عن رؤيته الشخصية للتسوية المحتملة.

ربما ينتظر أوباما الفرصة المناسبة للإعلان عن موقفه - كما أوحى في توقيت إعلان موقفه من لبنان مع مناسبة احتفاء قوى «14 آذار» بالذكرى الرابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وربما يتمهل في التعامل المباشر مع النزاع بانتظار أن ينجز وسيطه الشخصي، جورج ميتشل، صياغة الخطوط الكبرى للمسعى السلمي الأميركي.

ولكن، مهما كان الافتراضان معقولين فإن المرحلة الانتقالية التي تعيشها إسرائيل اليوم تستدعي صدور «إشارة» رئاسية أميركية حول «توقعاتها» حيال مستقبل التسوية السلمية في المنطقة «قبل» تشكيل حكومة إسرائيل الجديدة، لا بعدها، خصوصا إذا كان المرشح الأكثر حظا لتشكيلها هو الليكودي بنيامين نتنياهو.

غني عن الذكر بأن «الإشارة الرئاسية» الأكثر إلحاحا، ووقعا،هي مطالبة إسرائيل، علنا، بوقف عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، فأي «إشارة» علنية بهذا المعنى من شأنها تأكيد توجهات واشنطن وكشف نوايا إسرائيل في وقت واحد، واستطرادا إضفاء مصداقية دولية وإقليمية على تسوية ليس من المبالغة في شيء الزعم بأن ولاية الرئيس أوباما قد تكون الولاية الأميركية الأخيرة القادرة على إقرارها سلميا، علما بأن فشل التسوية السلمية في عهده يشرّع أبواب الشرق الأوسط على كل الاحتمالات... والتجارب السابقة أثبتت أن الولايات المتحدة نفسها لم تعد بمنأى عن تداعيات هذه الاحتمالات.