الملك والسرداب (3)

TT

لا أعرف لماذا وردت إلى مخيلتي القصص والحكايات الغامضة عن وادي الملوك قبل أن أدخل السرداب السري داخل مقبرة الملك «سيتي الأول».. حكاية كشف عائلة عبد الرسول عن خبيئة المومياوات عام 1881، وكذلك خروج المومياوات في موكب جنائزي حزين من الوادي الساكن إلى القاهرة، ودخول المومياوات إلى منطقة جمارك بولاق بالقاهرة، وتسجيلها في دفاتر الجمرك على أنها (سمك مملح)، نظراً لعدم وجود كلمة (مومياء) بسجلات موظف الجمارك.

هناك ذكريات كثيرة من وادي الملوك، لا يزال لها صدى سحري وغموض إلى الآن.. وأنا مازلت أحلم كل ليلة باللحظة التي هرول فيها هيوارد كارتر وراء الصبي الذي كان يحضر المياه للعمال ليسقيهم، والذي كشف عن أول درجة سلم أدت إلى الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون»، وعندما رأى كارتر مدخل المقبرة؛ لم يصدق نفسه بأنه ـ وبعد عناء وانتظار خمس سنوات ـ عثر أخيراً على مدخل مقبرة جديدة بوادي الملوك الذي يأوي أعظم ملوك الحضارة المصرية في عصرها الذهبي، حينما حكمت مصر حضارات الشرق الأدنى القديم، وبَنَت حضارة لم يزل نورها يضيء علوم وآداب الجنس البشري على الأرض.

إن شعور هيوارد كارتر بلحظة الإثارة والكشف الأثري هو نفسه موجود لديَّ الآن وأنا أحفر في وادي الملوك منذ نوفمبر عام 2007 الماضي على رأس بعثة مصرية تعمل لأول مرة في وادي الملوك، وذلك لاعتقادي بأننا قاب قوسين أو أدنى من الكشف عن مقبرة الملك «رمسيس الثامن» بين مقبرة «مرنبتاح»، ومقبرة «رمسيس الثاني». والملك «رمسيس الثامن» هو أحد الملوك الذين لا نزال نجهل تماماً موقع مقبرته، بل إننا لا نعرف ـ على وجه اليقين ـ أين دفن الملك، وما هو شكل مقبرته.

ونعرف أيضاً موقع مقبرة «توت عنخ آمون»، حيث توجد إلى الناحية الشمالية الشرقية المقبرة رقم (55)، وهي خاصة بالملك «أخناتون». وأعتقد أن الملك «آي» الذي تولى الحكم بعد «توت عنخ آمون» قد نقل مومياء «أخناتون» وآثاره من العمارنة إلى وادي الملوك. هذا، بالإضافة إلى أنه تم العثور على المقبرة رقم (63) منذ ثلاث سنوات، ويعتقد أنها خاصة بالملكة «كيا» زوجة «أخناتون»، وأم الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون»، وقد توفيت أثناء عملية ولادة الفرعون الصغير، ولذلك أعتقد أن الملك «آي» ـ الذي كان كاهناً في عهد الملك «توت»، ولم يكن يحمل الدماء الملكية ـ تزوج من الملكة «عنخ إس آمون» زوجة الملك «توت»، لكي ينقل إلى نفسه شرعية تولي الحكم من بعد الملك «توت». وقد صور نفسه داخل مقبرة الملك الصغير وهو يقوم بطقسة «فتح الفم» التي يقوم بها عادة ابن الملك الذي سوف يصبح ملكاً بعد وفاة أبيه، ولذلك فأنا أعتقد أيضاً أن الملك «آي» قد قام بنقل مومياء الملكة «نفرتيتي» من تل العمارنة بمصر الوسطى إلى وادي الملوك، وقد يكون قد دفن معها أيضاً بناتها الست، ومنهم زوجة الملك «توت» التي تزوجها، وأصبح لها مقبرة خاصة بها، نظراً لكونها الزوجة الملكية. وبناءً على ذلك، فلا يزال الوادي صامتاً على كثير من الأسرار، لم يبح بعد بها، منها مقابر ملوك وملكات وأمراء كذلك لم يعثر عليها إلى الآن، وفي كل دقيقة أتوقع مكالمة تليفونية من مساعدي بالوادي تحمل إليَّ نبأ كشف جديد؛ لأطير إلى وادي الملوك..

www.zahihawass.com