إيران تنتظر التقرير المبهم لوكالة الطاقة الذرية

TT

يقوم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، خلال الأسبوع المقبل، بنشر أحدث تقارير الوكالة حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. وسوف يمهِّد التقرير الساحة أمام اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية خلال الشهر المقبل عندما يناقش الأعضاء الاثنان والثلاثون الخطوات المقبلة التي يجب على المنظمة اتخاذها تجاه الملف الإيراني.

ويمكن للتقرير أن يتخذ ثلاثة أوجه:

الأول: أن يُعلَم مجلس محافظي الوكالة أن الجمهورية الإسلامية لا تزال تنتهك التزاماتها الخاصة بمعاهدة منع الانتشار النووي، وفي هذه الحالة سوف يناط الأمر بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أصدر أربعة قرارات حتى الآن ضد إيران.

الوجه الثاني: أن يبرئ التقرير ساحة طهران من خلال الإشارة إلى التزامها بتعهداتها كافة، وإجابتها على كل الأسئلة المتبقية وإزالتها كل أوجه الغموض، ومثل هذا التقرير يمكن أن يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة إلى مجلس الأمن، في ما يتعلق باستمرار العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية.

وأخيرا: يمكن أن يأتي التقرير في صورة «تقرير مبهم»، وهو ما يعني تبنّي موقف غير واضح حول ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية تواصل جهودها لإنتاج قنبلة النووية أم لا.

ويعد الخيار الثالث هو الخيار الأسوأ بين هذه الخيارات، إذ يمكن أن يشجع ذلك إيران على تجاهل قرارات مجلس الأمن ومتابعة استراتيجيتها الحالية، بغضّ النظر عن نتائجها، كما يمكن أيضا أن يشجع مجلس الأمن على تشديد قبضته على إيران لحماية ما تبقى من سلطة الأمم المتحدة.

كما يمكن لهذا التقرير الذي يكتنفه الغموض أن يعقد من جهود الرئيس باراك أوباما الساعية إلى عقد حوار مع نظام طهران.

وإذا ما كان الماضي مؤشرا على ما سوف يحدث في المستقبل، فإن من الواضح أن البرادعي سيلجأ إلى خيار إصدار «تقرير مبهم» كما فعل في قضية العراق، إبان حكم صدام حسين وفي قضية إيران قبل إحالتها إلى مجلس الأمن.

فقد دأب منتقدو البرادعي - على الدوام - على اتهامه باستخدام لغة لغموض لحماية مستقبله المهني، ومكّنه هذا الموقف المبهم من حصوله على دعم جميع الأطراف للحفاظ على منصبه. غير أن انتهاج الغموض من قِبل البرادعي قد لا يكون مدعوما من اعتبارات أن الرجل يعمل لحساب طرف آخر، فالرجل يعمل ضمن نطاق الوكالة، واتفاقية محددة، وقيود مفروضة على قوى الوكالة في التفتيش والتحقيق.

ففي حالة إيران، على سبيل المثال، سوف تقوم الوكالة الدولية بتفتيش المواقع والمنشآت التي تسمح بها إيران، ومن ثم إذا كان لدى إيران منشآت ومواقع أخرى موازية تجري بها أنشطة غير مشروعة، فلن يتسنى للوكالة الدولية الوصول إلى السبل الكفيلة للتيقن من هذه المواقع. حتى إن كانت تلك النشاطات معروفة بصورة علنية، فلن تتمكن الوكالة الدولية من اتخاذ موقف بشأنها قبل تفتيشها. وأحد نماذج تلك المشكلة مصنع الماء الثقيل الذي تقيمه إيران في آراك غرب طهران، والذي يمكن استخدامه في مجالات البحث العلمي والتدريب وصنع رؤوس نووية.

وحتى في الأماكن التي يُسمح فيها للوكالة بالتفتيش، كما في مسألة تخصيب اليورانيوم، فلن تتمكن الوكالة الدولية من التأكد بشأن القرارات السياسية المتعلقة بالاستخدام النهائي للمنتج، إذ يمكن استخدام الوقود المخصَّب لتوليد الطاقة الكهربائية أو كمادة خام في إنتاج القنبلة النووية.

وإلى جانب كل تلك التحذيرات، لا يزال بإمكان البرادعي أن يقدم شيئا مفيدا إذا ما قدم تقريره لمجلس محافظي الوكالة بناء على ميزان الاحتمالات. وهناك العديد من الحقائق التي يمكن للبرادعي التأكيد عليها: أولها أن إيران باعترافها الشخصي تملك تاريخا طويلا من انتهاكات قرارات الوكالة الدولية منذ أكثر من عقدين من الزمن. الثاني أن الوقود المخصب الذي تحتفظ به إيران لا يصلح كوقود، فإيران لا تملك محطة قوى نووية يمكن لليورانيوم المخصب في ناتانز استخدامه كوقود بها. كما أن المحطة النووية الوحيدة التي تملكها إيران في بوشهر لا تزال تحت الإنشاء، ولن تدخل نطاق الخدمة قبل نهاية العام الحالي، وعندئذ يمكن استخدام اليورانيوم المخصب هناك. المحطة النووية، التي صُممت بأيدي خبراء ألمان وبناها الروس، مبرمَجة لاستخدام الوقود الروسي فقط بشفرته المحددة، وقد تعاقدت روسيا بالفعل على تزويد المنشأة بالوقود الذي تحتاجه في السنوات العشر الأولى من عملها (حقيقة الأمر أن روسيا أعلنت أنها مستعدة لتزويد المنشأة بكل الوقود الذي تحتاجه على مدار عمرها الافتراضي المتوقع بـ37 عاما).

وقد أعربت طهران عن عزمها إنشاء المزيد من محطات القوى النووية التي تقام غالبيتها بمساعدات روسية وصينية، لكن تلك المحطات إذا ما بُنيت فإنها ستُضطرّ إلى استخدام الوقود الروسي أو الصيني المشفر.

علاوة على ذلك فإن الوقود النووي الذي تخصبه إيران لا يمكن تصديره لأي دولة في العالم يوجد بها محطات قوى نووية.

ويترك كل ذلك سؤالا جوهريا دون إجابة: لماذا تبدي إيران استعدادها لتحمل العقوبات ومخاطرة الحرب لإنتاج يورانيوم مخصب من نوع لن يمكن لأحد آخر استخدامه كوقود؟ وهل الخمينيون على استعداد لإنفاق المليارات من الدولارات لإثارة سباق تسلح إقليمي ومواجهة نزاع مع الأمم المتحدة للانغماس في نزاع سياسي؟

بيد أن النتيجة المنطقية الوحيدة هي أنهم يقومون بذلك لأنهم بحاجة إلى اليورانيوم المخصب لإنتاج رؤوس نووية. وللتأكد من ذلك لن تعلم ما إذا كانوا سيمضون في خططهم تلك في الحال أم أنهم سيقنعون بامتلاك القدرة على القيام بذلك متى شاءوا.

من خلال تلك القضية تتضح حقيقة واحدة، وهي أن الجمهورية الإسلامية دأبت على انتهاك معاهدة حظر الانتشار النووي لسنوات عديدة، وأن هذا التقرير «المبهم» الذي قد يلوث المياه، يمكن أن يعني نهاية معاهدة حظر الانتشار النووي والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

والسبب واضح: إذا كانت كل التساؤلات في هذا المجال يجب أن يتم التعامل معها من خلال مجلس الأمن، فما الحاجة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو معاهدة الانتشار النووي؟

قد يجلب هذا التقرير «المبهم» النتيجة الوحيدة التي زعم منتقدو البرادعي أنه يخشاها، ألا وهي تهديد مستقبله المهني.