مسيرة بوتفليقة

TT

جاء الرئيس الكوبي راوول كاسترو إلى الجزائر يحيي ويدعم صديقاً قديماً في معركته الانتخابية الثالثة، لكن الزمن تقدم قليلاً بالرجلين، شقيق كاسترو، ورجل الظل أصبح في الواجهة وشقيقه في الظل، وعبد العزيز بوتفليقة لم يبقَ له من الشعر ما يمكنه من إطلاق تسريحة تشي غيفارا، على أن اليسار القديم، الذي أصبح الآن الوسط الجديد، يدعم بوتفليقة في الداخل والخارج. رفاق الثورة ورفاق «جبهة التحرير» ومجموعة من طيف الأحزاب والاتجاهات، ترى فيه البديل الأفضل للأطروحات السياسية الأخرى، واحتمالات الفوضى، وذكريات الدماء الكثيرة.

كنت أرى عبد العزيز بوتفليقة في الأمم المتحدة، شاباً يرسل شعره الغيفاري على كتفية. وكانت ابتسامته الدائمة - ولا تزال - تمكنه من قول الأشياء بحدة، دون أن يثير الغضب لدى الآخرين. وإلى حد بعيد، كان هو صوت وصورة هواري بومدين في الخارج، ما دام العقيد المجاهد قد اختار الصمت والعزلة حتى اللحظة الأخيرة.

ذهبت العام الماضي، بعد أعوام طويلة على الأمم المتحدة، للسلام على الرئيس بوتفليقة مع الشيخ نهيان بن مبارك. كان في الجناح الضخم وحيداً، معه صديقه الآخر أحمد السويدي. وبدا الرئيس الجزائري في بيته. لقد مرت ثلاثة أيام وهو هنا، لكن ما يهم.. ففي هذا البلد أمضى سنوات طويلة يوم قرر الابتعاد عن عواصف الجزائر. لقد كان أصغر قياديي الثورة، ثم أصغر وزير خارجية في العالم، لكنه رأى كل ما بنته الثورة ينهار، والجبهة نفسها تصدأ وتتفكك، والوطن برمته ينزلق إلى الهاوية. في أبوظبي تعرف عبد العزيز بوتفليقة على نموذج جديد للحكم. ورأى نموذجاً آخر للنمو. وبعكس البطالة في الجزائر، يرى بلداً يستورد العمال من أنحاء العالم. إنه بلد صغير بالمقارنة مع حوالي مليونين ونصف كيلومتر مربع. وبلد على الخليج في مقابل بلد على مدى المتوسط، غني بالنفط، ولكن أيضاً بالتمور والزيتون والليمون وأصناف الأرض.

كانت تجربة بوتفليقة في أبوظبي، على الأرجح، أغنى تجاربه العملية بعد سنوات الثورة. رأى الناس تحب زايد بن سلطان بقدر ما تحب أرضها، وربما أكثر. الحاكم هو العدل، وليس موضع الخلاف. وعندما انتخب رئيساً للمرة الأولى، كشف بوتفليقة عن الذين أثروا في فكره السياسي في تلك المرحلة. وببلاغته العربية المعروفة، بعث برسالة امتنان إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز. رسالة لا تترك نقطة شك في نوعية القيادي الوسطي الذي يسكن إلى تجربته.