بوضوح: إيران.. لماذا تقلد من تلعنهم في سلوكهم الشرير؟

TT

نقطع اليوم البرنامج الذي كان من المقرر أن ينتظم عددا من المقالات - في البناء والنهضة والتجديد- والسبب المباشر لقطع البرنامج هو (التصعيد الإيراني) - المجرد من المسؤولية والحسابات العقلانية - تجاه دولة البحرين. إذ زعم كبير من كبرائهم أن البحرين محافظة إيرانية أو جزء من جغرافية إيران!

فهل هذه (هلوسة)، مجرد هلوسة، أو طرح سياسي تسنده إرادة سياسية مقصودة ومحسوبة؟ إن كانت هلوسة فليس ينبغي لأهل الهلوسة أن يحكموا دولة أو يديروا نظاما سياسيا يحترم نفسه، ويحترم - من ثم - القانون الدولي وعلاقات الجوار، وفن التعامل السياسي والدبلوماسي مع الإقليم الذي يعيش فيه، ذلك أن مكان أصحاب الهلوسة هو المستشفيات المتخصصة في علاج هذا النوع من الأمراض.

وإن كانت مزاعم (إيرانية البحرين) صادرة عن إرادة سياسية محسوبة ومقصودة، فإن إيران - بهذه الإرادة - قد ألحقت بنفسها من الشر والأذى والضر وتشوه الصورة ما لم يستطع أعداؤها أن يلحقوه بها، أي أعداؤها الذين تلعنهم - بدأب وكراهية - على مدار الساعة. وأعداؤها هؤلاء هم: شاه إيران المنقرض، وصدام حسين الهالك، وإسرائيل، وجورج بوش الابن.

إنه من المفارقات المضحكة جدا (إن كان السياق يتسع لشيء من الضحك) أن إيران بتصريحها - الذي جرى على لسان أحد كبرائها- تقلد - بإتقان متفان - سلوك أعدائها الأربعة الذين تصبحهم وتمسيهم باللعن، فهي من ثم تخدم خط أو استراتيجية أعدائها وهي تحسب أنها تحسن صنعا!

?- إن شاه إيران البائد طالَب - في إبان استقلال البحرين - بضم هذا البلد إلى إيران، بزعم أن البحرين جزء جغرافي وتاريخي من إيران.

فما الفرق؟! ما الفرق بين أطماع الشاه بالأمس وأطماع النظام الإيراني الآن؟.. لا فرق - قط - فالعقلية واحدة، والمزاعم واحدة، والأطماع واحدة، والاستهانة بمكانة الدول والشعوب واحدة، ومن هنا تؤكد إيران - بنزقها أو نزق بعض رموزها - المقولة التي تتردد على ألسنة الكثيرين، وهي أن النظام الإيراني الحالي ليس أكثر من (طلاء ديني) فاقع لأطماع الشاه وطموحاته المجنونة.. فهل قرر النظام الإيراني أن يمشي في ذات طريق عدوه الذي قامت الثورة لاجتثاثه؟

?- والادعاء بأن البحرين (محافظة إيرانية)، ليس هناك فرق - البتة - بينه وبين ادعاء صدام حسين بأن الكويت (محافظة عراقية). فهل قرر النظام الإيراني أن يقتدي بصدام حسين في هذا السلوك الطائش؟ يقتدي به في جنونه؟ يقتدي به في خطأ حساباته الإقليمية والدولية؟ يقتدي به في أطماعه؟ وفي قضم جغرافيا ليست له؟ إن هذا التقليد يدل على أن هناك إصرارا إيرانيا على الاقتداء بسلوك عدوهم.. وحَسْبُ العدو نصرا أن يقلده أعداؤه في فحشه وطيشه.

?- ولم يزل النظام الإيراني يعلن عداوته لإسرائيل، ولكنه يقلد إسرائيل في الوقت نفسه!! إن الكيان الصهيوني ذو خصائص وطبائع معروفة، في طليعتها الهيمنة والتوسع والسيطرة والتهديد، وتتويج نفسه (وكيلا إقليميا) للقوى الكبرى في هذه المنطقة.. وليس يبعد عن هذه الطبائع الشاذة أولئك الذين يزعمون أن البحرين جزء من إيران، فهذه مزاعم لا تفسير لها - نفسيا وسياسيا - إلا طبائع الهيمنة والتوسع والتهديد.. والتهيؤ لـ(وكالة إقليمية) على الإقليم.

وفي هذا السياق ملحظ مهم يتطلب ذكاء وقّادا، وحسابات استراتيجية عالية الدقة، فالإيرانيون يشكون مُر الشكوى من آثار نظرية يقولون إنها (اختراع صهيوني)، نظرية أن (إيران هي العدو الأول للعرب وليست إسرائيل).. وإذا كان الإيرانيون يرتعبون من هذه النظرية، ويتذمرون من إسقاطاتها وآثارها عليهم، فلماذا يؤكدونها من خلال لغة الأطماع والضم والتهديد؟ أليسوا بذلك يخدمون العدو الصهيوني؟ بلى، إنهم يخدمونه بما لم يخطر له على بال!! ويخدمونه بما ينزل بهم أفدح الأضرار!

?- إن قادة إيران يلعنون الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بالغدو والآصال، ويسوغون لعنهم له بهذه التهم:

أ- أنه نزّاع إلى الهيمنة والتسلط والتهديد والاستكبار.

ب- أنه يخاطب الآخرين من (عَلٍٍ)، أي بفوقية فجة.

ج- أن أطماعه لا حدود لها.

د- أنه يستبيح جغرافيا الآخرين ويغزوها.

ه- أنه يدّعي أنه حر التصرف في هذا الكوكب، لا يقيده قانون ولا عرف دولي، إذ هو يتحرك بـ(إلهام من الله»!

فكيف يلعنون جورج بوش بهذه اللعنات أو التهم في ذات الوقت الذي يعرّضون فيه أنفسهم للتهم ذاتها؟! فالتصريح بأن البحرين جزء من إيران يحمل دلالات الهيمنة، والمخاطبة بفوقية، والطمع، واستباحة الجغرافيا، والادعاء بالإلهام من الله!

وفي السياق ملحظ مهم - كذلك - وهو أن تصرفات جورج بوش قد جلبت عليه وعلى بلاده سوء السمعة، وتشوه الصورة، وانعدام المصداقية، واتساع نطاق الكراهية الشديدة. فهل يعي الإيرانيون ذلك كله؟ إذا كانوا غير واعين به فليعوه، وإذا كانوا واعين فليكفوا عنه - الآن الآن وليس غدا - لئلا يحيق بهم ما حاق ببوش وبلاده مما ذُكر آنفا.

ولعله من المفيد أن يتركز ما بقي من المقال على المضامين والمفاهيم التالية:

أ- إن التصريح الإيراني بأن البحرين جزء من إيران كلام مجرد من العقلانية السياسية الناضجة:

أولا: لأنه قول لا يترتب عليه (فعل)، بمعنى استحالة ضم البحرين إلى إيران.

ثانيا: لأن مجرد الاستفزاز لا يدل على عبقرية سياسية بحال من الأحوال، فقد يكون أحمق الناس أقدرهم على الاستفزاز.

ب- أثبتت الإحصاءات واستطلاعات الرأي في غير ما مكان من عالمنا هذا، أن معدل العداء لليهود صعد بدرجة تشبه عداوة الناس لهم في العهد النازي - في ألمانيا وأوروبا -وصحيح أن مجزرة غزة أسهمت في رفع هذا المعدل، بيد أن السبب الأعمق هو إحساس متزايد في الوعي العام العالمي بأن الصهيونية تجاوزت حدودها في تحدي الآخرين واستفزازهم - من كل جنس - والعبرة العظمى في ذلك: مخالفة الصهيونية - لا تقليدها - في هذا السلوك الذي يستفز الحليم. فهل يعقل الإيرانيون؟ أم أنهم يفضلون تكثير الأعداء كما تفعل الصهيونية؟!

ج- إن الحديث عن (دور إيراني) يجب أن يُفهم بأنه (دور طبيعي) بحكم الجغرافيا وعلاقات الجوار، والنشاط التجاري والسياسي المشروع لكل دولة. وبهذا المقياس يكون لكل دولة دورها الطبيعي في الإقليم، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، إذ لو كان المقياس هو الكم السكاني الكبير لتناقص عدد الأمم المتحدة إلى أقل من النصف.

د- لا يريد عاقل أن تلتهب المنطقة بفتنة سنية شيعية ماحقة، فمن شأن العقلاء إطفاء الحرائق لا إشعالها. وقد يقال: ليس في التصريح عن البحرين دلالة مذهبية. والجواب هو: إن (الفتنة الجغرافية) ستفجّر فتنة مذهبية بلا ريب، ثم إنه لا علاقة لموقفنا الناقد باعتبارات مذهبية، حيث إن الأمر يتعلق بالحق والعدل والعقل، ولذات السبب وقفنا ضد صدام حسين (وهو سني وفق التصنيف العرفي)، حين زعم أن الكويت جزء من العراق.

هـ- إن طي هذا الملف الأحمق يكمن في أن يصدر عن إيران الرسمية موقف واضح قاطع يؤكد أن تلك المزاعم لا تعبر عن رأي الدولة، وأن البحرين دولة مستقلة ذات سيادة بإطلاق، وأن هذا الخطأ الجسيم لن يتكرر، لا مع البحرين ولا مع غيرها من دول المنطقة.

عجيب غريب.. ألا يكفي المنطقة ما فيها من مصائب وبلايا وحرائق واضطراب وتدخلات وفتن؟