التهديد الرئيسي للعرب.. إيران أم إسرائيل؟

TT

لن أسوق العوامل لصالح أي من الطرفين للحصول على إجابة، فتقدير موقف يبنى على الرغبات والمشاعر لا يجوز الأخذ به، بل سأدون بعض ملاحظات معروفة تراكمت خلال أربعين عاما، ولا شك أن العنوان لا يروق لبعض حملة الأفكار القومية والدينية، ولنترك التاريخ حكما.

لست مقتنعا، كما ذكرت في مقال سابق، بأن الغرض الأساسي من تأسيس دولة إسرائيل، هو الفصل بين شطري الوطن العربي، بل لأسباب أخرى. فمن الناحية الجغرافية لم يشكل عدم وجود طريق بري مشكلة للتواصل بين الجزر اليابانية..، لأنه ليس الوسيلة الوحيدة بين الولايات، وفاصلة البحر بين مصر وكل من الأردن والسعودية كرمية حجر. وهل اتحدت دولتان؟. أما إذا أخذت الحال من باب التوسع فهذا أمر آخر. وقد تلاشى المشروع التوسعي الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر1973، ولم يعد أحد يتحدث عن مقولة (دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل). وما تسعى إليه إسرائيل اليوم هو المحافظة على وجودها، وإقامة روابط اقتصادية أصبح العالم العربي أرجح كفة فيها. فيما تبقى مشكلة الجولان التي لا بد أن تعود إلى أهلها، وأن تقام دولة فلسطين في الضفة وغزة. ولن تستطيع إسرائيل في النتيجة من تجاوز هذه الحقوق، ولن تكون قادرة على احتلال شبر من أرض عربية، ولا تمتلك قدرة التآمر على البلاد العربية، ولا ثقافة تأثير. اكتفي بهذا القدر كي لا تمس المشاعر..

أما إيران فالحديث عنها طويل، ولنختصر.

لقد تركت السياسات الإيرانية جروحا عميقة في المشاعر العربية لم تداوها مواقف الدعاية المغلفة، ويمكن البدء بما يقوله ملايين الأحوازيين (العرب) ومعظمهم من الشيعة، من أن بلادهم محتلة، وتعمدت السلطات الإيرانية تغيير أسماء مدنهم التاريخية من العربية إلى الفارسية، وأنهم مظلومون في التعبير عن هويتهم الثقافية، ويعانون الفقر، فيما تتربع بلادهم على بحيرة نفط تمثل مصدر الدخل الرئيسي الإيراني، وأن السلطات تمنع عنهم حتى اختيار بعض الأسماء لمواليدهم!، أي ديمقراطية إلهية هذه؟ وألا يستحق هؤلاء النصرة بطرق ثقافية وغيرها من السبل الإنسانية؟.

عملت السياسات الإيرانية، على طول الخط، على التدخل في الشؤون العراقية، بدءا من اللعب في القضية الكردية منذ عقود..، وكان آخر ما قامت به، ذلك التدخل الهمجي من قتل ودمار وتحريض تسبب في تهجير ملايين العراقيين بعد 2003. وتسعى اليوم بكل الوسائل إلى تقسيم العراق، وقال لي ذات يوم مسؤول كبير من بلد ليس محسوبا على الأطراف المتصدية لإيران، بأنه فوجئ من أن مسؤولا إيرانيا كبيرا قال له: لماذا أنتم تعارضون تقسيم العراق؟. ولا شك في أن سياسة الخميني تسببت بدرجة كبيرة في حرب السنوات الثماني، وليس أن تلقى كلها على من رحل.

وتعمل إيران على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية، من خلال تشجيع التوجه التمزيقي في دول عدة، وما يجري في اليمن من تمرد الحوثيين يظهر أنها لا تدخر جهدا في زعزعة الأمن العربي. كما أنها تعمل على إثارة روح التفرقة بين أبناء شعب البحرين، وتدريب فيلق (القدس) لجماعات من المغفلين للإخلال بالأمن، طمعا في إثارة دعاوى الشاه التوسعية في هذا الجزء من العالم العربي. وحاولت في أكثر مناسبة تحويل مشاعر الحج إلى واجهة للدعاية السياسية على نطاق تخريبي، تحت مفهوم البراءة من المشركين، وهو ما يدخل ضمن المحرمات، لأن الحج وسيلة للإيمان، وليس لإثارة الفتن والتفرقة. فيما لم يقل لها أحد ما يقال عن عدم وجود مسجد واحد في طهران للطرف الآخر!

سعيها المستمر إلى فرض السيطرة على لبنان، لما يشكله لبنان من واجهة نفسية وثقافية للعالم العربي، وموقعه الحضاري المتقدم، ولإثارة المشاكل والحروب بين العرب وإسرائيل، فيما تبقى هي متفرجة عمليا، بحجة عدم وجود حدود مشتركة لها مع إسرائيل، وكأن أسلحة الحرب عن بعد لم تصنع بعد. وذلك لاستنزاف موارد العرب وتخريب علاقاتهم بالدول الغربية وإثارة الشقاق والخلافات في ما بينهم.

واستهداف الدول العربية القيادية، كما حصل في تجاوزاتها على مصر وقيادتها، فهي الدولة الوحيدة التي تمجد قاتل السادات، ورفضت كل الطلبات برفع اسمه عن أحد شوارع طهران. وتحريضها المستمر والحاد ضد الرئيس مبارك، بطريقة مغلفة وأخرى، لما يمثل وجوده من بناء متواصل لعناصر استقرار الأمن في قلب العالم العربي. ومحاولتها اختراق الشارع المصري تحت واجهة العمل الثقافي والمؤسساتي.

رفض كل الجهود المبذولة والنوايا الحسنة لبحث موضوع الجزر الإماراتية الثلاث، ورفض التحكيم الدولي، ومهاجمة كل بيانات القمم العربية التي أشارت إلى أحقية الموقف الإماراتي. ومحاولات الإساءة الثقافية.. للتاريخ العربي، وتعميق النعرات الطائفية، من خلال التوسع في مجالات الإعلام وانتشار الفضائيات.

التدخلات المستمرة في أفغانستان وباكستان، بما يعزز الإرهاب ويشيع الفوضى في البلاد العربية، التي تتأثر تأثرا مباشرا بما يجري في هذين البلدين، فعدم استقرار باكستان يرتبط بمنطقة الخليج تحديدا، ويؤدي إلى انتشار الإرهاب في العالم. ومحاولات التوغل في وسط وشمال أفريقيا، وهما مؤثران في محيط العلاقات العربية والأفريقية ومجالا عربيا حيويا. وتقديم المساعدات لتنظيم القاعدة، الذي يمثل تهديدا جديا للمصالح العربية مباشرة، وليس لأنه يؤدي إلى تأثيرات سلبية في العلاقات العربية الغربية فحسب.

الإصرار على المضي في برامجها النووية والصاروخية وحصول قلق عربي متصاعد من النوايا والأهداف التي تقف وراء ذلك. واستهداف منطقة الخليج بكل تهديداتها المترتبة على خلافاتها مع الغرب. والتشكيك بشرعية النظم العربية، ما يعتبر دعوة لإثارة الفوضى والاضطراب.

هذه حقائق لا بد أن تكون معروفة، ويجري التستر عليها من قبل أصحاب غرض محدد، لكن البعض يطرح مؤشرات معاكسة منها: استبدال العلم الإسرائيلي بعلم فلسطين في طهران. فصحيحة عملية استبدل العلم، لكنها خطوة لا تعني شيئا عمليا، فيما قبلت في زمن خميني مساعدات إسرائيلية في تسهيل حصولها على السلاح، لأن إسرائيل كانت ترى في العراق تهديدا لها وليس في إيران. والعمل بقوة على شق الصف الفلسطيني من خلال دعمها لطرف على حساب آخر. ولم يسمع أو يقرأ عن وقوع قتيل إيراني (واحد) من أجل فلسطين، ولم تكن هناك مشاركة تطوع، لا فردية ولا جماعية، مع أي منظمة فلسطينية. فأين هي إسلامية القضية الفلسطينية؟.

إن أكثر ما يُقلق، أن يؤخذ العرب والعالم على حين غرة، تحت تأثير الشعارات، ليروا أنفسهم أمام وضع سياسي وعسكري إيراني متجبر، تتحول فيه المنطقة إلى كرة لهب فعلية، وليس على مبدأ التخويف الذي قيل. وما ذكرت ليس مبررا لإسرائيل بعدم الجنوح إلى العقل وإعادة الحقوق المشروعة لأهلها، وليس دعوة للحرب، بل دعوة للمحبة والسلام، ولتنظر إيران إلى رؤية الآخرين تجاه سياستها، لأجل المراجعة البناءة، ولكي لا تعتقد أن الناس غافلون عما تفعل.

[email protected]