ولاية «الفتوة»!

TT

تتواصل «الزلات» الفرويدية على ألسنة المسؤولين الإيرانيين بمختلف خلفياتهم ومراكزهم، التي يعبرون فيها عن مشاعرهم تجاه مملكة البحرين، وكيف أنها كانت «جزءا من إيران». هذه المقولة تكررت أكثر من مرة بحيث لا يمكن اعتبار استمرار ترديدها أنه من محض الصدفة أو الخطأ، بل هي رسالة ملغمة لكل من يتلقاها. وحقيقة لا بد من وقفة حازمة إزاء هذا الهراء الذي يتكرر، ووضع حد للمرجعية التاريخية التي تستند إليها إيران لتبرر حقها في البحرين. فإذا عدنا للتاريخ الإسلامي وهو الأرضية المشتركة التي تجمع إيران والبحرين، فنجد أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، بعث برسائل منفصلة للدعوة لكل من إيران (بلاد فارس وقتها) والبحرين (دلمون كما كانت تعرف). بمعنى آخر، واضح أنهما كانتا دولتين منفصلتين ذاتا هويتين مستقلتين مثلهما مثل الشام والعراق واليمن ومصر وجميعها تمت الإشارة لها بالاسم. هذا إذا أخذنا بالمرجعية التاريخية الإسلامية، أما إذا طبقنا مرجعية القواعد والمواثيق والقوانين والنظم الدولية، فنجد أنها جميعا تعترف صراحة وبوضوح شديد بالبلدين بصفتهما المستقلة، والبلدان يقران ضمنا بذلك، وعليه لا يمكن تفسير التصريحات الإيرانية إلا بأنها تصريحات عدوانية وتحمل نوايا خبيثة. دول الخليج العربي لديها حساسية مفرطة (وهي محقة في ذلك) من التصريحات العنترية التي تعتمد على فرد الخرائط وإمعان النظر فيها ومن ثم الإنصات إلى «حكواتية» في النظام السياسي، يقدمون الحجج والمبررات على أحقية بلادهم في تلك الأرض أو هذه الدولة، وهذا «الفيلم» قد تم مشاهدته من قبل عن طريق البعث العراقي متمثلا في بطولة صدام حسين لهذا الفيلم حين غزوه للكويت وإطلاقه لأرتال من الحجج والمبررات الداعمة لذلك الاستيلاء الغاشم على دولة حرة ومستقلة. وعملا بالمقولة الشعبية التي تقول إن الذي «اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي» فدول الخليج يحق لها أن تنفخ في كافة منتجات الألبان بدون أي استثناء، وخصوصا أن إيران لها سابقة مهمة في احتلال لجزر إماراتية من فترة ليست بقليلة. وحقيقة لا يمكن «قراءة» سكوت الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من جهة إزاء هذه التصريحات الخبيثة وصمت المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي من جهة أخرى إلا باعتبارهما رضا وتأييدا لذلك، وهذه علامة ومؤشر سياسي خطير لن تكون نتيجته إلا إضافة توتر لمنطقة كتب عليها العيش فوق براميل بارود قابل للانفجار. وإذا اعتبرنا فرضا وجدلا أن السكوت السياسي على هرم السلطة في إيران جزء من نظام التخويف والتهويش الذي يمارس في إيران.. يد تضرب أو تهدد بالضرب ويد أخرى تربت على الكتف، كيف من الممكن أن نقرأ صمت «الأشاوش» المرافقين لإيران وسياستها في المنطقة، وأقصد تحديدا هنا حسن نصر الله وخالد مشعل ومهدي عاكف، الذين حملوا لواء المقاومة ورفعوا راية نصرة المظلوم أمام الظالم والمعتدى عليه أمام المعتدي، كيف لهم أن يفسروا أو يشرحوا للعالم صمتهم إزاء تهديد صريح وفج على أرض وشعب ودولة قائمة ومستقلة؟ ولكنها التوأمة السيامية السياسية غير القابلة للفصل، التي تفضح حين توضع تحت ميكروسكوب الازدواجية والكيل بمكيالين.

حديث خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للرئيس الإيراني خلال زيارته الأخيرة للعاصمة السعودية، كان واضحا حين قال له «إننا نرحب بالتعاون والاستثمار ولكن لن نسمح بالتدخل في شؤوننا الداخلية»، ويبدو أن هذه الرسالة لم تصل، وإلا ما صدر تصريح بهذا الشكل من قبل إيران ومسؤوليها. وهذا يفسر ويبرر البيان السعودي الحاد تجاه إيران وتصريحها، والزيارات الداعمة من قبل قادة مصر والأردن للبحرين. الخليج العربي سئم ومل من التدخلات فيه بحجج واهية ومدمرة، وإيران عليها أن تراجع مواقفها وبسرعة لأن حجم الكراهية والشك والقلق والخوف من نواياها في ازدياد هائل داخل شعوب المنطقة، ومع تصرفاتها وتصريحاتها بات هذا الخوف والقلق مبررا جدا.

[email protected]