اخترنا كتب أسوأ ما كتب!

TT

يقال إن (طائر الشوك) قبل وفاته يظل يبحث عن شوكة طويلة ثم يلقي بنفسه عليها فتنفذ في قلبه ويصرخ أعلى وأجمل صيحاته!

ويقال إن عددا من الأدباء والفنانين يفعلون ذلك عندما يشعرون بدنو الأجل..

ولكن يبدو أن هذه القاعدة لها استثناء أو أكثر. ففيلسوفنا المصري عبد الرحمن بدوي كتب قبل وفاته مذكراته واعترافاته، وليته ما فعل. فهي ضعيفة ركيكة، وفيها شتيمة مباشرة لعدد كثير من النقاد. بل إنه يبدأ في أن يشكك في صحة نسبه لأبيه، وصحة نسبك لأبيك. ويتساءل: كيف نكون على يقين من ذلك؟ ويرى أن الصدفة هي التي أتت بك. وهو شخصيا انطلق على والده عيار ناري كاد يصيبه، ولكنه نجا ليأتي لنا بالفيلسوف!

وليس هذا الكتاب أحسن ما كتب، بل أسوأ ما كتب. فله كتب فلسفية رائعة، وقد بهرنا بها ونحن طلبة. وله تعبيرات مبتكرة، وله جرأة فريدة على نحت المصطلحات الفلسفية، بل له (قاموس فلسفي).. ومثل هذه القدرة لا يؤتاها إلا عالم عظيم. وهو ذلك العالم..

والإمام الغزالي (1058 ـ 1111) قبل وفاته بسنتين، أصدر كتابه «المنقذ من الضلال» وقبل وفاته بيومين، أصدر كتابه «إلجام العوام».. وقد رأينا، ونحن ندرس الفلسفة الفرنسية، أن الإمام الغزالي قد سبق، في منهجه عن الشك طريقا إلى اليقين، الفيلسوف ديكارت. ولكثرة ما كتب الغزالي دخل وخرج في معارك فلسفية طاحنة، وصعب على الناس فهمه. فهو يكتب للعوام ويكتب للخواص، وقد يتناقض ويتضارب. ولكن هذين الكتابين ليسا من أحسن ما كتب الفيلسوف الغزالي، ولكنهما قد خليا تماما من البذاءة والهبوط الذي تردى إليه فيلسوفنا عبد الرحمن بدوي ـ يرحمهما الله!